الأحد، 27 مارس 2016

دعوى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أميّا


لقد وصف الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالأمية في كتابه فقال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ }, و قال سبحانه:{..فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.وقال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}.
فالواجب أن نعلم أنّ وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأميّة هنا وصف كمال ومعجزة له عليه الصلاة والسلام. فقد كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب, وجاء  من عند الله بكتاب مبين, نور وهدى, مشتمل على ما يجب لله من الحق من توحيده و أسمائه وصفاته, وأخبار الجزاء والمعاد, وأنباء ما قد سبق, وأحكام الدنيا والدين. فهذه أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم ، كما قال صلى الله عليه وسلم :" إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب ", وهو صلى الله عليه وسلم من جملة الأميين, أي: أنه  مثلهم أميّ، ومع ذلك يتلو عليهم آيات الكتاب المبين كما قال الله سبحانه:{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.
فغاية ما يستدل به أصحاب هذه الدعوى الواهية, خبران, فالأول: ما رُويَ  أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى قرأ الكتاب.
 والثاني: ما روي أنّه كتب صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية اسمه في كتاب الصلح الذي كتبه علي رضي الله عنه.
والجواب عن ذلك: فأمّا الخبر الأول فلم يصح, بل هو كذب ولا دليل عليه. "وهو أثر موضوع ، حكم عليه الشوكاني والسيوطي والألباني بالوضع ، ( ينظر مجلة البحوث العدد:45/ ص 129)
وقال ابن كثير رحمه الله :" وما أورده بعضهم من الحديث ، أنه لم يمت - صلى الله عليه وسلم - حتى تعلم الكتابة ، فضعيف لا أصل له. قال الله تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا} أَيْ :تَقْرَأُ {مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ} لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ,{ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} تَأْكِيدٌ أَيْضًا.". (ينظر تفسير ابن كثير 10/520 ط:عالم الكتب ).
والجواب عن الثاني: حديث البراء رضي الله عنه قال:".. كتب عَلِيُّ رضي الله عنه:" هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله, فقالوا: اكتب ما قاضى عليه محمد بن عبد الله .فقال أنا محمد بن عبد الله, وأنا والله رسول الله. قال: وكان لا يكتب  فقال لعلي رضي الله عنه:" امح رسول الله ". فقال علي: والله لا أمحاه أبداً, فقال صلى الله عليه وسلم:"أرنيه" قال: فأراه إيّاه فمحاه, النبي صلى الله عليه وسلم بيده. ( رواه البخاري وغيره), فهذا الدليل ينقض دعواهم, لأنه لو كان صلى الله عليه وسلم يقرأ لما قال لعلي:"أرنيه". والدليل الثاني:جملة:" وكان لا يكتب".
وقد زاد بعضهم أنه كتب بيده, ولم يصح ذلك, بل أعاد الكتاب لعلي رضي الله عنه ليكتبه.
وعلى فرض أنه كتب اسمه صلى الله عليه وسلم ,فكون الرجل يكتب اسمه وهو أميّ ممكن , ولا يخرجه  ذلك عن وصف الأمية فكم من أمي, ويكتب اسمه, بل  ويوقع. ولو أعطيت له جملة من كلمتين لم يستطع قراءتها.
  فهذه المسألة من الشّبه التي تثار بين الحين والآخر, والواجب عدم الالتفات إليها , ومقابلة ذلك بنشر العلم الصحيح والدعوة إلى الرجوع إلى المنبع الصافي الذي ارتوى منه سلف الأمة وهو كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وفق  ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم والقرون المفضلة من بعدهم.

                                                                        1437/6/18

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق