الأحد، 2 مارس 2025

وبشّر المخبتين

              وبشّر المخبتين

معنى الإخبات، وصفات المخبتين.. 

الإخبات: 

تعريف السلف له بأنه:

 الإطمئنان، والتواضع والخشوع والخضوع لله، والوجل والخشية والإشفاق من عذاب الله ..

وتعدد هذه المعاني يشير إلى مكانة الإخبات وشرفة ..

ولذا جاءت صفات المخبتين -جعلنا الله جميعاً منهم-حول هده المعاني الجليلة مما يدل على أهميته وفضله ..

فمن ذلك قول الله عز وجل:{ إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَخۡبَتُوۤا۟ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ أُو۟لَـٰۤئكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ }.

فقدّم وصفهم بالإيمان وعمل الصالحات، ثم عطف عليه الإخبات، وكأن في ذلك - والله أعلم- إشارة ودليل على أنه لا يحصل الإخبات إلا ممن آمن وعمل صالحاً.

فلتحقق هذه الأوصاف فيهم وعدهم الله تعالى  الجنة والخلود فيها فقال عز وجل: {.. وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ • ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِیمِی ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ  }

ففي هذه الآية مع البشارة للمخبتين ذكر أنّ من صفاتهم: 

- وجل قلوبهم وخضوعها لله. 

 - والإطمئنان عند ذكره  جل وعلا، 

 - والصبر .

- وإقام الصلاة. 

- والإنفاق في مرضاة الله. 

وفي موضع آخر نؤه تعالى بعباده المؤمنين وذكر  من أعمالهم: 

الوجل عند ذكره تعالى، والتوكل عليه، علاوة على ماسبق من هذه الأوصاف الجليلة، وأخبر سبحانه أن من اتصف بذلك فهم المؤمنون حقاً، ووعدهم الدرجات والمغفرة والرزق الكريم ، فقال سبحانه: { إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ • ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ • أُو۟لَـٰۤئكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقࣰّاۚ لَّهُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ }.

ووصف تعالى أولو العلم بالإيمان والإخبات ولين القلوب فقال سبحانه:{وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ ..}

 ثم وصفهم كذلك مع الإيمان بالخشية ونفى الشرك عنهم، فقال سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ • وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ • وَٱلَّذِینَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا یُشۡرِكُونَ }.

وقال تعالى عنهم أيضاً :{ وَٱلَّذِینَ یُؤۡتُونَ مَاۤ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَ ٰ⁠جِعُونَ }

فأخبر سبحانه أنه يعملون الأعمال الصالحة ويبذلون المعروف ويتصدقون وقلوبهم وجلة خائفة لعلمهم أنهم راجعون إلى ربهم و ملاقوه.  

وفيما يلي نقول عن المفسرين حول معنى المخبتين وبيان أوصافهم الشريفة: 

•قال عبد الحق بن عطية رحمه الله عن قول الله تعالى:{..وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ • ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِیمِی ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ }.

"وهَذا مِثالٌ شَرِيفٌ مَن خُلُقِ المُؤْمِنِ الهَيِّنِ اللَيِّنِ، وقالَ مُجاهِدٌ: هُمُ المُطَمْئِنُونَ بِأمْرِ اللهِ تَعالى، ووَصَفَهم تَعالى بِالخَوْفِ والوَجِلِ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ، وتِلْكَ لِقُوَّةِ يَقِينِهِمْ ومُراعاتِهِمْ لِرَبِّهِمْ وكَأنَّهم بَيْنَ يَدَيْهِ، ووَصْفَهم تَبارَكَ وتَعالى بِالصَبْرِ والصَلاةِ وإقامَةِ الصَلاةِ وإدامَتِها،

[المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ٥٣/٧ ] .

• وقال ابن كثير رحمه الله:"قَالَ مُجَاهِدٌ:" المخبتين: المطمئنين. وأحسن مايفسر بما بعده وهو قوله { ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ ﴾ أي:  فَرِقَتْ، وخَافَتْ منه قلوبهن{وَٱلصَّـٰبِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ} أي: من المصائب.

[ تفسير القرآن العظيم٦١،٦٠/١٠] 

•وقال القرطبي رحمه الله: "المخبت: المتواضع الخاشع من المؤمنين..وقوله تعالى: { وجلت قلوبهم} أي:  خافت وحذرت مخالفته، فوصفهم بالخوف والوجل عند ذكره، وذلك لقوة يقينهم ومراعاتهم لربهم وكأنهم بين يديه،ووصفهم بالصبر وإقامة الصلاة وإدامتها.. 

وهذه الآية نظير قول الله تعالى:   { إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ }، وقوله تعالى: { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ .. }

[الجامع لأحكام القرآن: ٥٩/١٢] .

وبعد: 

فإني أسأل الله تبارك اسمه أن يجعلني وإياكم ممن تحلى بهذا الوصف الشريف، وحاز عوائده وفضله. 

—----

٢ /رمضان/١٤٤٦



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وقفة تأمل مع الدعاء

      وقفة تأمل مع الدعاء!  الدعاء عبادة جليلة وله مكانة من الدين عظيمة، بل هو العبادة كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحاج...