الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي

حديث  أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخلت العشر - أي العشر الأول من ذي الحجة - وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: (إذا دخل العشر، وعنده أضحية يريد أن يضحي، فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمنَّ ظفراً) رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: ( .... فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي)   مسلم في صحيحه (1977)
قال ابن قدامة :" ظَاهِرُ هَذَا تَحْرِيمُ قَصِّ الشَّعْرِ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: هُوَ مَكْرُوهٌ، غَيْرُ مُحَرَّمٍ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَلِّدُهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ وَاللِّبَاسُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ حَلْقُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ. وَلَنَا مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمُقْتَضَى النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَهَذَا يَرُدُّ الْقِيَاسَ وَيُبْطِلُهُ، وَحَدِيثُهُمْ عَامٌّ، وَهَذَا خَاصٌّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، بِتَنْزِيلِ الْعَامِّ عَلَى مَا عَدَا مَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ الْخَاصُّ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ حَدِيثِهِمْ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِوُجُوهٍ؛ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}  .
وَلِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَفْعَلَهُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فَعَلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تَعْلَمُ ظَاهِرًا مَا يُبَاشِرُهَا بِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، أَوْ مَا يَفْعَلُهُ دَائِمًا، كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ، فَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ نَادِرًا، كَقَصِّ الشَّعْرِ، وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ، مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْأَيَّامِ إلَّا مَرَّةً، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْهُ بِخَبَرِهَا، وَإِنْ احْتَمَلَ إرَادَتَهَا إيَّاهُ، فَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا، فَاحْتِمَالُ تَخْصِيصِهِ قَرِيبٌ، فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيلٍ، وَخَبَرُنَا دَلِيلٌ قَوِيٌّ، فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ؛ وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِ وَأُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ، وَالْقَوْلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ خَاصًّا لَهُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَتْرُكُ قَطْعَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ، فَإِنْ فَعَلَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى. وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ إجْمَاعًا، سَوَاءٌ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا.( المغني:9/437).

* وقال الشيخ ابن عثيمين:" قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً» ، والأصل في النهي التحريم.
والحكمة من ذلك أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة لأن المحرم لا يأخذ من شعره شيئاً، يعني لا يترفه، فهؤلاء ـ أيضاً ـ مثله، وهذا من عدل الله ـ عزّ وجل ـ وحكمته، كما أن المؤذن يثاب على الأذان، وغير المؤذن يثاب على المتابعة، فشرع له أن يتابع.
وقوله: «يحرم» ، هذا أحد القولين في المسألة.
والقول الثاني: أنه يكره وليس بحرام.

ولكن الذي يظهر أن التحريم أقرب؛ لأنه الأصل في النهي لا سيما فيما يظهر فيه التعبد، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكد النهي بقوله: «فلا يأخذن» ، والنون هذه للتوكيد. ( الشرح الممتع7/486)

* وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوت العلمية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رقم الفتوى( 2194)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خذوا زينتكم

 خذوا زينتكم عند كل مسجد..   قال الله عز وجل آمراً بالتزين للصلاة { یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ خُذُوا۟ زِینَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدࣲ.. } وهذا الأ...