من توفيق الله للمؤمن أن يتعاهد نفسه بالنصح، وأن يدرك أنه في هذه الحياة على سفر إلى دار البقاء، فليُعد الزاد لسفره، وزاده هو تقوى الله والعمل الصالح، فإننا لا نزال اليوم في دار العمل وفي زمن الإمكان. والموفق من تدارك الأمر قبل فوات الأوان، فقد ينادى بالرحيل في وقت قريب، وغير متوقع. يقول الله عز وجل:{كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.ويقول سبحانه:
{واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}. ويقول تعالى:{فأما من ثقلت موازين * فهو في عيشة راضية* وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية* وما أدراك ما هيه * نار حامية}.
فمن تدبر هذه الآيات ومافي معناها، وتأمل هذه الموعظة العظيمة، ثم حاسب نفسه اليوم فهو على خير، ويرجى له الفلاح يوم القيامة. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا".
ومن أراد الفلاح فلينظر في تقواه لله وتوحيده لا يقع في شيء من نواقض الإيمان ومحبطات العمل وهو لا يشعر، ويجتهد في تكميل توحيده فإنه رأس المال والربح المحقق، وفيه الثواب المضاعف، وأن يلحظ عند كل عبادة نيته، ويستحضر الإخلاص في طاعته، وليكن حذِرا من الرياء فإنه أخطر الأدواء عليه، لشدة خفائه، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:" إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، الرياء..". ثم ينظر في أعماله من حيث صحتها وكثرتها التي يرجو أن تثقل كفة حسناته يوم الحساب، فيستعرض صفحة أعماله من الحسنات والسيئات وكأنه شريك يحاسب شريكه، فلا يقبل الغش ولا يرضى الخسارة.
وأن يجعل همه وشغله الشاغل طلب النجاة لنفسه في موقف عصيب تبلغ فيه القلوب الحناجر..ويذهل الخليل عن خليله، وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين، ويحضر الشهود والخصوم، ويأمر الله بفصل القضاء بين الخلائق من الإنس والجن والدواب، "حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها". يقول الله تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلاتظلم نفس شيئا وإن كان مثل حبة من خردل أتينا به وكفى بنا حاسبين }.
فإذا نودي يافلان احضر وزنك، جاء وقلبه يرف رفيف الريشة في مهب العاصفة.. ونشرت صحائف أعماله،
والمسكين لايدري كيف ينتهي به الحال..وهل يأخذ صحيفته باليمين أم بالشمال، وهل تثقل كفة حسناته أم تطيش، وترجح بها كف السيئات؟!
فإن سلم في الوزن جاء الغرماء والخصوم، كلٌ يقول: رب اقض لي حقي منه..!
والقصاص بالحسنات بالسيئات، فهذا يأخذ من حسناته بقدر مظلمته.!وهذا يأخذ من حسناته..!
فكم تراه سيأخذ..، وماذا سيبقى..؟!
فإن فنيت حسناته، ولم يقض ماعليه، أخذ من سيئاتهم فحمل عليه..! يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" أتدرون من المفلس؟
قالوا: المفلس فينا، من لا درهم له ولا متاع. فقال صلى الله عليه وسلم: "المفلس من أمتي يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا . فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه . فإن فَنِيَتْ حسناتُه، قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه . ثمَّ طُرِح في النَّارِ". [ مسلم ٢٥٨١].
فليتدارك كلٌ منا فسحة العمر في الأعمال الصالحة المنجية بإذن الله، ففي الآيات تهديد ووعيد أكيد لمن خفت موازينه من الحسنات، وثقلت كفة سيئاته، وأخبر الله عن خسارته فقال:{وَالوَزنُ يَومَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ* وَمَن خَفَّت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم بِما كانوا بِآياتِنا يَظلِمونَ}.
فلنغتنم مانحن فيه من عافية وبقية العمر في طاعته الله وتقواه والاجتهاد في تصحيح النية وتجديد التوبة والعناية بالفرائض والإكثار من النوافل، والمداومة على الذكر والاستغفار والدعاء، وصدق التوبة، والتحلل من حقوق العباد، والحذر من الاغترار بالدنيا، يقول الله تعالى:{كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}. ويقول سبحانه:{فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون}.
فهذا مصير الخاسرين المفلسين.!
وأما المفلحون فقد أخبر الله تعالى عن مصيرهم في مواضع من كتابه فمنها قوله سبحانه: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون ..}. إلى قوله تعالى:{ أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}.
فحاسب نفسك، واعمل لنفسك، جعلني الله وإياك من المفلحين.
……………………………..
١٤٣٩/١٢/٢٣ هجرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق