الثلاثاء، 15 يوليو 2025

الذكر

             الذكر

{یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كثيراً}

بسم الله والحمد والصلاة والسلام على رسوله.. 

وبعد

فأشرف أحوال العبد عند أداء ما افترضه الله عليه، وامتثال أمره سبحانه، ومن ذلك ما في هذه الآية من الأمر  بذكر الله .

وإنّ من فضله تعالى أنّ ذلك يتحقق بما شرعه جل وعلا في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويسير على من يسّره الله له. 

والحال الأكمل في الذكر والأنفع ما اجتمع فيه حضور القلب وذكر اللسان، وحصل ذلك في كل العبادات من صلاة وصيام وحج وسائر شعائر الدين..

ومتى استشعر الذاكر أنه يخاطب ربه بقلب حاضر ولسانٍ ذاكرٍ، ثناءً على الله جل وعلا، وتمجيداً وتسبيحاً وحمداً فلا شك أنه قد أحرز حظاً وافراً من الذكر ، ونال بذلك  درجة عظيمة من القرب من ربه جل وعلا. 

وحينئذٍ يرجى له أنه يكون من الذاكرين الله كثيراً..

ولنتذكر أهمية الذكر ومعرفة أنواعه، وفضائله، لكي نسعى بكل جهد حثيث لاغتنام أوفر الحظٍ منه والنصيب. 

ففي الاطلاع على هذه الوقفات اليسيرة يجد القارئ تذكيراً يعينه بمشيئة الله لأن يكون ممن يذكر الله كثيراً.

فأولاً: مكانة الذكر وأهميته: 

الذكر عبادة جليلة أمر الله تعالى المؤمنين بها فقال عز وجل:{یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كَثِیرࣰا • وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا}.

 وأثنى جل وعلا على طوائف من عباده الذين تحقق فيهم أجلّ الأعمال، وأكمل الأوصاف، فقال:{ إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِینَ وَٱلۡمُسۡلِمَـٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡقَـٰنِتَـٰتِ ..} الآية، إلى أن قال: {وَٱلذَّ ٰ⁠كِرِینَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا وَٱلذَّ ٰ⁠كِرَ ٰ⁠تِ} فكان من جملة هذه الأعمال الجليلة الإكثار من الذكر، ثم ختم الله تعالى الآية بهذه البشّارة فقال:{أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمࣰا }.

وفي موضع آخر يبيّن الله تعالى مكانة الذكر فيقول:{ ٱتۡلُ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ}. أي:" ذكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم. رُوي هذا عن ابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء".(١)

وللذكر مزيّة هي له خاصة، ليست لغيره من العبادات، ألا وهي:

ذكره الله تعالى من يذكره!  وكفى بذلك شرفاً، فقد صح في الحديث القدسي أنّ الله سبحانه يقول: "من ذكرَني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملَأٍ ذكرتهُ في ملأٍ خير منهم". (٢)

ويقول أيضاً:" أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه ما ذكرني وتحركت بي شفتاه".(٣)

فمتى استشعر الذاكر معية الله له، لا شك أنه سيحرص على أن يأوي إلى كنف الله عز وجل دائماً ليحظى بهذه المنزلة العظيمة، وسيكون ذلك عوناً له على أن يذكر ربه كثيراً.


ثانياً: أنواعه. 

أعظم الذكر: تلاوة كلام الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم، وتدبره والعمل به، فقد سمّى الله سبحانه وتعالى  القرآن ذِكراً فقال الله تعالى:    {..وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ}، وقال : {إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَاۤءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَـٰبٌ عَزِیزࣱ }.. 

- وأن يذكر المؤمن  ربه عند كل أمرٍ ، فيأتي به مطيعاً راغباً مخلصاً ، وعند كل نهي فيجتنبه راهباً .

-ثم يأتي بما جاء في السنة النبوية من الأذكار الصحيحة المشروعة في الصلاة وبعد الفراغ منها، وأذكار طرفي النهار،  كما في قول الله تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا} وكما في قوله سبحانه { وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِیرࣰا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ }.

فلكل حال من الأحوال ذكر خاص، يكون وِرداً له، ثم لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله، فيكثر من التسبيح والتهليل والحمد والتكبير والاستغفار.. 


ثالثاً: من فضائله: 

ورد في فضل الذكر  الكثير من الآيات والأحاديث !

من عرفها وتذكرها، اشتاقت نفسه لذكر الله وازدادت رغبته فيه، وملازمته له. 

يقول الله عز وجل آمراً عباده بذكره، ومبيناً فضل الذكر ومخبراً إياهم بمقابلة ذكره لهم إذا ذكروه، فيقول سبحانه:        { فَٱذۡكُرُونِیۤ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لِی وَلَا تَكۡفُرُونِ }.

فهذه أعلى فضائل الذكر رتبةً، ألا وهي ذكر الله تعالى من يذكره من عباده. 

" ففي هذه الآية بيان لشرف الذكر بيّنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ،فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإ خيرٍ منهم".(٤). (٥)

فياله من مقامٍ عظيم تأنس إليه قلوب الذاكرين، وتتشوف إليه نفوس المؤمنين أن يذكرهم الملك العظيم عز وجل  في الملكوت الأعلى، فقد بشّر بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه تعالى أنه قال: "وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خيرٍ منهم".

فشرف الذكر بشرف المذكور عز وجل.

- ومن شرف الذكر أنه من صفات أولي الألباب الذين وصفهم الله تعالى بقوله: { إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ • ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ..}

-وذِكر الله مع شرفه وفضله فإنه يتضمن معية الله للذاكر وحفظه له. فالذكر عون للعبد من الرحمن، وحرز للمؤمن من الشيطان. 

- "والذكر أفضل الأعمال على الجملة، وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال كالصلاة وغيرها فان ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل " أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ".(٦)

وقال صلى الله عليه وسلم:   "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت ".(٧)

- ومما جاء في فضله أيضاً من البشارات: 

قوله صلى الله عليه وسلم:" ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم،  ويضربوا أعناقكم؟ قالوا:  بلى يا رسول الله.  قال:  ذكر الله ".(٨)

فمن شرف ذكر الله تعالى بالقلب واللسان أنه إذا قارن هذه العبادات كانت أزكى الأعمال وأحبها إلى الله.  

وقوله صلى الله عليه وسلم:  سبق المفردون. قيل وما المفردون يارسول الله؟قال:  الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".(٩)

- ومن فضائله أنه أيسر العبادات، وأحبها إلى الله، وأكثرها ثواباً، ومتى تواطأ فيه القلب واللسان كان ذلك أقرب نفعاً، وأعظم أجراً.

ومما جاء من الترغيب في ذلك،

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية أم المؤمنين رضي الله عنها لما جلستّ تسبّح، ورجع بعد صلاة الفجر، قال: ما زلتِ على الْحالِ التي فارقتكِ عليها ؟ قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ، لو وُزِنت بماقلتِ منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلماته". (١٠)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال في يومٍ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرةٍ، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله."(١١)

وقوله صلى الله عليه. سلم:" كلمتان ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن:  سبحان وبحمده سبحان الله العظيم".(١٢)

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرّك بأيهنَّ بدأت".(١٣)

وقال صلى الله عليه وسلم مرة: " أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة، فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟قال: يسبّح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يُحط عنه ألف خطيئة".(١٤)

- ومن فضائل الذكر أنه من صفات المؤمنين، ومن أسباب طمانينة قلوبهم، قال الله جل وعلا:{ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ }.

-وللذكر من الفضائل أيضاً مع مافيه من الثواب أنه وسيلة لاستجابة الدعاء، لما يشتمل عليه من الثناء على الله وتمجيده وذكر أسمائه تعالى وصفاته . 

فيالها من فضائل جديرة بأن يبذل  لتحصيلها الغالي والنفيس.! 

وبعد: 

فلا شك أن معرفة هذه الفضائل مما يقوي عزيمة المؤمن ليرتقي في سلم الذكر حتى يصل لدرجة الذاكرين الله كثيراً..

فليحرص المسلم على الأذكار الشرعية ما استطاع ففيها الهدى و الكفاية، وليحذر الأذكار البدعية فإنها مظنة الإثم، والتعب في غير طائل.  

 والله المستعان وعليه التكلان..

اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. 

١٤٤٧/١/١٨

—-----------------------

١- تفسير ابن كثير: ٥١٦/١٠، وينظر تفسير الطبري: ١٥٦/٢١

٢- سنن ابن ماجه: ٣٧٨٢، صحيح ابن حبان: ٨١٥

٣- سنن ابن ماجه: ٣٧٩٢، وصحيح ابن حبان: ٨١٥.

٤- ينظر التسهيل لابن جزيّ:٢٧٦/١

٥-وأخرج الحديث البخاري في صحيحه: ٧٤٠٥، ومسلم: ٢٦٧٥.

٦- جامع الترمذي: ٣٣٧٧، وسنن ابن ماجه: ٣٧٩٠

٧- صحيح البخاري: ٦٤٠٧، ومسلم: 

٨- جامع الترمذي: ٣٣٧٧، وسنن ابن ماجه: ٣٧٩٠

٩- صحيح مسلم: ٢٦٧٦

١٠- صحيح مسلم: ٢٧٢٦، وأبو داود: ١٥٠٣

١١- صحيح البخاري: ٦٤٠٣، ومسلم: ٢٦٩١

١٢- صحيح البخاري: ٦٦٨٢، مسلم: ٢٦٩٤

١٣- صحيح مسلم: ٢١٣٧.

١٤- صحيح مسلم: ٢٦٨٩، والترمذي: ٣٤٦٣


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الذكر

              الذكر { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كثيراً } بسم الله والحمد والصلاة والسلام على رسوله..  وب...