الجمعة، 24 أكتوبر 2014

التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام

التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد :
لا شك أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته من أعظم وسائل استجابة الدعاء، وكذلك التبرك والاستشفاء بآثاره حصل من الصحابة في حياته مثل تبركهم بماء وضوئه وشعره وعرقه. فكل ذلك حق ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم, وبإقراره صلى الله عليه وسلم لهم.
  لكن التوسل بذاته عليه الصلاة والسلام أو جاهه بعد موته غير مشروع ،وتأمل قول عمر رضي الله عنه في مشهد عظيم من الصحابة:  اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا, وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا, فيسقون ". (البخاري1010).
قال ابن بطال رحمه الله: "استسقاء عمر بالعباس ، فإنما هو للرحم التي كانت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، فأراد عمر أن يصلها بمراعاة حقه ، ويتوسل إلى من أمر بصلة الأرحام بما وصلوه من رحم العباس ، وأن يجعلوا ذلك السبب إلى رحمة الله تعالى.(شرح ابن بطال للبخاري 3/9)
فهذا كما ترى توسل بصلة رحم النبي عليه الصلاة والسلام.
وذكر الحافظ ابن حجر أثراً عند ابن أبي شيبه ,قال:" أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم, فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا , فأتي في المنام فقيل له ائت عمر".(الفتح 2/350,349) .
 قال الشيخ عبد العزيز بن باز:" هذا الأثر على فرض صحته كما قال الشارح ليس بحجة على جواز الاستسقاء بالنبي بعد وفاته, لأن السائل مجهول, ولأن عمل الصحابة رضي الله عنهم على خلافه, وهم أعلم الناس بالشرع, ولم يأت أحد منهم إلى قبره يسأله السقيا ولا غيرها. بل عدل عمر عنه لما وقع الجدب إلى الاستسقاء بالعباس, ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة , فعلم أن ذلك هو الحق, وأن ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك, بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك.".( حاشيته على الفتح:2/350,349).
 وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله:" قوله "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا, يعني: بدعائه في حياته .. وهذا يدل على أن الصحابة كانوا لا يتوسلون بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستسقون بذاته وإنما يستسقون بدعائه, ولو كانوا يتوسلون بذات النبي لتوسلوا به بعد وفاته, لأن ذات النبي صلى الله عليه وسلم موجودة, فلما عدل الصحابة - وهم أفضل الناس وأعلم بالشريعة- عن الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى الاستسقاء بالعباس دل على أنهم يستسقون بدعائه صلى الله عليه وسلم  .
وهذا الحديث فيه الرد على من يتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم, نقول : لو كان الناس يستسقون بذات العباس لكانت ذات النبي صلى الله عليه وسلم أوجه وأولى ,وهو حي في قبره صلى الله عليه وسلم حياة برزخيه , وقد كانوا يتوسلون به صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يتوسلوا به بعد وفاته , فدل على أن الشيء الذي يتوسلون به قد انقطع, وهو الدعاء فعدلوا الى التوسل بعمه وهو دعاؤه فكان العباس يدعو وهم يؤَمّنون, ولهذا كان عمر يقول:" اللهم انا كنا نتوسل اليك بنبينا لتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" . وفي اللفظ الآخر أنه قال:" قم يا عباس فادع الله" فقام العباس فدعا واستسقى وهم يؤَمّنون , فدل على أن الاستسقاء بذات النبي صلى الله عليه وسلم من البدع ,وأنه لا يتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم".(منحة الجليل شرح صحيح محمد بن إسماعيل:2/708)
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:" من تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله أن لا تغلوا فيه فتنزله بمنزلة أكبر من المنزلة التي أنزله الله إياها مثل أولئك الذين يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكشف الضر حتى أنهم عند قبره يسألون النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أن يكشف الضر عنهم وأن يجلب النفع لهم هذا غلو في الرسول وشرك بالله عز وجل لا يقدر على ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى, والنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يملك لنفسه شيئا أبدا حتى الصحابة لما أصابهم القحط في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستقوا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ما جاءوا إلى القبر يسألون الرسول أو يقولون ادعوا الله لنا أو اشفع لنا عند الله حتى ينزل الغيث قال عمر يدعو الله: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا, ثم أمر العباس أن يقوم ويدعو الله بإنزال الغيث لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميت لا عمل له بعد موته, هو الذي قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. فالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لا يملك شيئا أن يدعو لك وهو في قبره أبدا. فمن أنزله فوق منزلته التي أنزله الله فإنه لم يحقق شهادة أن محمدا عبده ورسوله بل شهد أن محمدا رب مع الله نعوذ بالله لأن معنى كونه رسولا أنه عبد لا يعبد ورسول لا يُكَذب). ( شرح رياض الصالحين :1/353,352.)
 وبع ذلك يقال: هل كان الصحابة يتوسلون بجاه النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته؟ لو كانوا يتوسلون بجاهه - ولا شك أن جاه النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه عظيم في حياته وبعد وفاته – ولو حصل ذلك لحُفظ  عنهم، ونُقِل إلينا.
فالحق أنهم إنما كانوا يتوسلون بدعائه صلى الله عليه وسلم في حياته كما في قصة دعائه للأعمى.
فلماذا عدل الصحابة وفيهم خيار الأمة : عمر وعثمان وعلي وسائر العشرة إلى دعاء العباس رضوان الله عليهم. ولم يتوسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
إنما فعلوا ذلك لكمال إيمانهم وعلمهم رضي الله عنهم.
فهل يمكن أن يأتي من هو أفقه منهم بحق الله وحق نبيه صلى الله عليه وسلم.؟!
فبناءاً على ذلك فالمشروع للمؤمن أن يقول في دعائه مثلا:
 اللهم إني أتوسل إليك باسمك الأعظم..، أو أن يختار من أسماء الله وصفاته المناسب منها لمسألته. وإن شاء قال: اللهم إني أتوسل إليك بأيماني بنبيك صلى عليه وسلم واتباعي لسنته وحبي له.. إلخ
وليحذر البدع وذرائع الشرك, وليحرص على توحيده فإنه أصل النجاة وسبب السعادة, كما أن الإخلال به بسب الهلاك والعذاب الأليم.
اللهم اهدنا لِمَ اختُلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.   


                                                               28/12/1435                                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وقفة تأمل مع الدعاء

      وقفة تأمل مع الدعاء!  الدعاء عبادة جليلة وله مكانة من الدين عظيمة، بل هو العبادة كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحاج...