التحذير
من ربا البنوك.
من
سماحة شريعة الإسلام الغراء أن المعاملات المباحة بحمد الله أكثر وأطيب، وأعظم
نفعاً وبركة مما هو محرم. فقد أحل الله البيع وكثيراً من المعاملات التي تعود
بالنفع على الناس, مع فيها من التيسير وضمان الحقوق, والرحمة بهم, والعدل بينهم.
ثم حرّم تعالى أموراً يسيرة من أوجه التعامل: مثل الميسر, والربا, وبيع الغرر،
ونحو ذلك مما تتحقق فيه الجهالة والضرر.
فالربا
من الكبائر الموبقات التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"
اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا
بالحق، وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات
الغافلات". (البخاري ومسلم).
وقال عليه الصلاة والسلام:" الربا ثلاثة و
سبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه". (الحاكم وصححه,
ووافقه الذهبي. والألباني في صحيح الجامع).
قال
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:" الربا مجمع على تحريمه، ولهذا من أنكر
تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد، لأن هذا من المحرمات الظاهرة، المجمع على
تحريمها ". ( الشرح الممتع 8/387).
ولقد
حرّم الله الربا لما يجرّه من العواقب الوخيمة، والظلم، وهلاك الأموال، وخراب
الديار، وذهاب بركة الأرزاق, وتسلط الأغنياء على الفقراء.
فللّه
شريعة جاءت بتحريم الربا، ودفع هذه الأخطار، ما أعظم بركتها وما أعدلها! فهذا مما
يدل على أنها تنـزيل من حكيم حميد، قال سبحانه:{الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ
الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ
وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ
اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ}. ثم
وجه تعالى الخطاب إلى المؤمنين يدعوهم فيه إلى تقواه وترك الربا، بعد أن فصّل حكمه
في المرابي ومصيره، والربا ونهايته، فقال:{يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ
وَلَا تُظْلَمُونَ}.
فعلى
المسلم أن يدرك أن تعامله بالربا وتعاطيه له ليس عن حاجة ضرورية، فإن في البيع
المباح غَنيةً وكفاية وبركة.
وليعلم
أنَّ مصير المرابي إلى ما قصه الله علينا بقوله:{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }, يقوم آكل الربا من قبره يتخبط كالمجنون،
ثم يصير إلى الخلود في العذاب الأليم. كما قال تعالى:{وَمَنْ
عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ },هذا في الآخرة. وأمَّا في الدنيا فعاقبة
الربا إلى القلة مهما كثر، وإلى الخسارة والمحق مهما بلغ، كما حكم الله على ذلك
بقوله:{ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا }. قال
ابن كثيرٍ رحمه الله:" فأما أن يذهبه الله من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله,
فلا ينتفع به ". ( تفسير القرآن العظيم 1/486)
فمن
خطر الربا: أنه يجرُّ صاحبه إلى اللعنة، ويشرك فيها معه أعوانه، فقد ثبت أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم" لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه وشاهديه".(مسلم).
ومن
شؤمه: أن متعاطيه متبع لسنن اليهود، وفيه شبه منهم، كما قـال الله سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ
طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا *
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ }.
وأشدُ
ما يواجه أصحاب الربا إن لم يتوبوا أنهم محاربون لله ولرسولـه فقد قال عز وجل:{فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
فليكن
الناصح لنفسه على حذر من الانسياق وراء الشهوات المردية, والانخداع بدعايات
المرابين الزائفة، ولافتاتهم البراقة، فإنما هي سراب تحته نار، فإنّ مبادئ أصحاب
الربا إنما تقوم على الانتهازية والجشع والظلم، ولا تعرف الرحمة طريقاً إلى
قلوبهم، فهم كالسباع الضارية، والواقع شاهد بذلك.
فالحذر
من المساهمة في البنوك التي تتعامل بالربا الصريح وتسميه فوائد خداعاً منها وطمعاً.
وكذلك
الحذر من أخذ القروض الربوية التي تقدم لها التسهيلات والدعايات الكاذبة. فإن الناصح
الأمين قد قال عليه الصلاة والسلام:" اتقوا الله وأجملوا في الطلب, ولا يحملنكم
استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله, فإنه لا ينال ما عند الله إلا
بطاعته". (البزار وابن ماجه وابن حبان, وصححه الألباني).
اللهم
اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك.
غرة
محرم1436
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق