سلّم الأخلاق |
10 صفر, 1433
|
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الناس أصناف شتى في طباعهم وأخلاقهم، فمنهم من منحه الله خُلقاً حسناً فهو يعامل الناس بلين الجانب ويخالطهم بانشراح الصدر، حتى أصبح أليفاُ مألوفاً محبوباً لديهم، ذا مقام رفيع فيهم.
وصنف آخر: سيء الخُلق جافي الطبع، ينفر منه أقرب الناس إليه، فضلاً عمن سواهم. فهو يعيش في عزلة من سوء عشرته وضيق صدره. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق هذين الصنفين:"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون و المتفيهقون، قالوا: قد علمنا "الثرثارون والمتشدقون" فما "المتفيهقون؟" قال: المتكبرون". [الترمذي]
وثمًّ صنف ثالث: وهو من اجتمع فيه مع إيمانه أخلاقاً حميدة وخصالاً شريفة، وهو يطمع في الرقي في سلم الأخلاق الفاضلة, وله همة تواقة إلى درجات الكمال.
فهذا لا يحتاج بحمد الله إلى كبير عناء لبلوغ غايته متى صدقت إرادته, وجدد عزيمته بين حين وآخر, مستأنساً بالبشارات الصادقة التي تبعث الهمة وتجدد الأمل من مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم"من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله". [متفق عليه] وقوله عليه الصلاة والسلام :"إنـما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه". [ينظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم: 670]
فعليه أن يواصل مسيره لتحصيل المكانة العلية التي دل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا".[أبو داود الترمذي] وقوله الله عليه وسلم: "أكثر ما يُدخل الجنة: تقوى الله وحسن الخلق".[الترمذي وابن ماجه] وقوله عليه الصلاة والسلام:"إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا".[متفق عليه]
وذلك مما يبعث الأمل الصادق الذي يرشد إلى السبيل القويم لإدراك معالي الأمور من: الإخلاص لله وخشيته سبحانه ومحبته, وخوفه ورجائه, إضافة إلى تهذيب النفس بجميل الأخلاق كالصبر, والتواضع والحلم, والصدق والوفاء والسماحة والكرم.. والتخلص من مساوئ الأخلاق كالعجب والرياء, والشح والبخل, والحسد والبغضاء..
فمن أراد أن يكتسب خلقاً حسناً أو يرتقى في الأخلاق الزاكية إلى المراتب العالية؛ لابد له من مزاولة هذا الخلق في الحياة اليومية, ومعاملة الناس بموجبه، ومداوماً على ذلك حتى يصبح سجيةً له. ومجاهداً نفسه على ما يريد تحقيقه من مكارم الأخلاق ومعالي الأمور, فمن يبتغ الخير يعطه {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}.
وكذلك الحال فيما لو كان يسعى للتخلص من خلق سيء، فيجب عليه البعد عن دواعيه وأسبابه، والاستعاضة عنه بمكارم الأخلاق. ثم يقيم الوازع الإيماني في قلبه مقام المحتسب عليه، فكلما همّ بالأمر القبيح؛ قام عليه بالنكير، وذكره بالخلق الجميل، فإن نسي مرة ً أو أخطأ؛ بادر بالإقلاع عنه وإصلاح ما أفسد بالإحسان والاستغفار، وشحذ عزيمته ليترقى في سلم الأخلاق إلى غايته, متشبثاً بحبل الرجاء المتين, ومشتملاً على الإرادة الصادقة في الارتقاء إلى المراتب العليا من الدنيا والدين. فمن لم يكن كذلك فليرغب إلى ربه أن يحسِّن خُلقه، وأن ييسر له الأسباب الجالبة لمحاسن الأخلاق، وليعوّد نفسه على المعاملة الحسنة بالكلمة الطيبة, والابتسامة الصادقة, وليعلم"أنه لن يسع الناس بماله, ولكن يسعهم منه بسط الوجه وحسن الخلق". فليعاملهم بمكارم الأخلاق, فيعطي من حرمه, ويَصِلَ من قطعه, ويعفو عمن ظلمه, وليعوّد لسانه القول الجميل,فمن صنع إليه معروفاً فليشكره ولو بقوله: جزاك الله خيراً. ومن أساء إليه فليصفح عنه وليقبل عذره, وليقل:غفر الله لي ولك, أصلح الله حالي وحالك. وليتذكر: أن أثقل شيء في ميزان العبد بعد التقوى حسن الخلق. وأن النبي عليه الصلاة والسلام قد تكفل لصاحب الخلق الحسن ببيت في أعلى الجنة فقال: "أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه". [أبو داود الترمذي وابن ماجه].
ومتى تيقن المؤمن أنه بحاجة للارتقاء في سلم الأخلاق, وطلب كمال الإيمان, وأراد تحقيق ذلك, فعليه أن يتخذ الوسائل والأسباب التالية, فإنها كفيلة بإذن الله ببلوغ مراده:
أولاً: اللجوء إلى الله بطلب العون منه تعالى في تحقيق مطلوبه؛ فيدعو ربه قائلاً: "اللهم أهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت". "اللهم كما حسنت خَلقي فحسِّن خُلقي".
ثانياً: أنه تكون لديه الإرادة الصادقة والعزيمة الجازمة لبلوغ غايته.
ثالثاً: التدرب على ما يريده إتقانه من العمل الصالح، أو الخلق الحسن، أو التخلي عما فيه من خلق ذميم. ثم التعامل مع الناس بالمعروف من حسن الخلق ويروض نفسه على ذلك. يقول أحمد شوقي رحمه الله:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
رابعاً: أن يجعل غايته الظفر بمقصوده غير مبالٍ بالعوائق، وإنما ينظر إلى ما تحقق من هدفه وما توصل إليه من النتائج والثمرات؛ ليكون ذلك حافزاً له في مواصلة السير لتحقيق هدفه..
خامساً: الصبر وعدم اليأس. وإن طال الوقت عليه، أو أحسَّ بشيء من الفتور، أو ضعفت نفسه، فليحملها على الجد والمثابرة، وليزجرها عن الكسل متذكراً قول الشاعر:
وقلّ من جدّ في أمرٍ يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
.. وبالله التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق