الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد:
فإن
من أجلِّ نعم الله على المؤمنين هدايتهم للإيمان وتنـزيل السنة والقرآن
على نبيه محمد r,
وقد نبّه الله إلى ذلك وأمتنّ به فقال سبحانه وتعالى:
{وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ
وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } .
فكل
إنسان يبحث عن الأمان، ويسعى جاهداً ليعيش في سعادة واطمئنان. ولكن الحياة الدنيا
مطبوعة على الكدر والعناء، وخيرها ممزوج بالشر في كثير من الأحيان. لا يدوم
سرورها، ولا يصفو من التكدر عيشها هكذا هو حال الدنيا .
ولكن
من رحمة الله بعباده ولطفه بهم أن بيّن
لهم طريق السلامة من كل شر، ونادى نبيه r
ألا هلم إلى سبيل النجاة. فما ترك شيئاً من الخير إلا دل عليه ولا شيئاً إلا حذر
منه.
فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:
وعظنا رسول الله r موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها
العيون، فقلنا يا رسول الله: كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال:" أوصيكم بتقوى
الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبدٌ، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً،
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".
فيا أيها المسلم: متى ادلهمت عليك الخطوب
وتشعبت بك الدروب فتذكر وصايا الناصح الأمين , فالأولى:وصيته بتقوى الله والتمسك
بسنته r.
ففي تقوى الله الأمان من كل بلاء في الدنيا
والآخرة، وفي الاعتصام بالسنة نجاة من الضلال والبدع التي تقود إلى الهلاك والعذاب.
كيف يهلك من جعل كتاب الله إمامه وهاديه،
فاهتدى بهداه؟
أم كيف يضل الله من
استمسك بسنة رسول الله واستضاء بسناه.{يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا }.{ فَالَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا
النُّورَ
الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.{
وأن هذا صراطي مستقيما
فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم
به لعلكم تتقون}.
إن إتباع صراط الله إنما
يكون بتقوى الله تعالى، فالسعيد من اتقى الله وعمل بما في كتاب الله.
فقد نال الرشد والهدى
من أخذ بحظه من ذلك , وأمن من الضلال والردى.
والوصية الثانية بعد تقوى الله: "السمع
والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنظم مصالح العباد في
معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم".(
جامع العلوم لابن رجب)
يقول الله عز وجل: {
أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ }.
ثم الوصية الثالثة: التمسك بالسنة والحفاظ
عليها:
يقول النبيr : "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا:
كتاب الله و سنة نبيه r ".(مالك
والبيهقي والحاكم)
فالاعتصام بكتاب الله
وسنة نبيه فيه النجاة من البدع والأهواء في الدنيا، والأمن من العذاب يوم القيامة.
فإن
من شفقة رسول الله r
أن أمر أمته بالاعتصام بسنته فقال: "فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" .
"والسنَّة هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك
التمسُّك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه
هي السنَّة الكاملة، ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون اسم السنَّة إلاَّ على ما يشمل
ذلك كلَّه". (جامع العلوم لابن رجب:2/120)
فالواجب
امتثال كل ما أمر به النبيr , واجتناب كل ما نهى عنه، والمبالغة في التمسك
بالسنة والمحافظة عليها. والحذر من مخالفة أمره r
والإعراض عن سنته وهديه, فقد قال الله تعالى:{
فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال الإمام أحمد:"
أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض أمره أن يقع في قلبه شيء من الزيغ
فيهلك" (الإبانة
لابن بطة، جـ1، ص260).
و"أمر
رسول الله r
سبيله، هو منهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال
بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً
من كان (تفسير
ابن كثير، جـ6، ص97).
فمن أعظم
التمسك والعمل بسنة المصطفى r الرجوع إليها مع كتاب الله تعالى عند التنازع
وردّ الأمور إليها، لا إلى قوانين البشر، ولا يتحقق إيمان لأحد إذا لم يكن احتكامه
للكتاب والسنة، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ}.
وكما قال
العلماء فالرد يكون إليه r في حياته وإلى سنته بعد مماته، وقال تعالى:
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا}، وقال جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى
اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن
يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا}.
قال الشيخ محمد بن
عثيمين رحمه الله:"إن سنة النبي كالقرآن في وجوب العمل بها حسب ما يقتضيه
الدليل من ايجاب أو استحباب, أو إباحة, أو كراهة أو تحريم". (رسالة
التمسك بالسنة ص 10).
فالرغبة
عن السنة والزهد فيها, أوترك العمل بها خصوصاً ما كان منها على سبيل الفرض خطر
عظيم, وأخطر من ذلك الاستهزاء بها, فإن في ذلك سوء أدب مع الله تعالى الذي أرسل نبيه
r
وأنزل عليه وحيه فقال سبحانه: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
ومن المعلوم أن أقرب الوسائل إلى الله:تقوى الله وإنما يكون ذلك بالعمل
بكتابه عز وجل وملازمة سنة رسوله r،
والوقوف معها في الظاهر والباطن ودوام الافتقار إلى الله وإرادة وجهه بالأقوال
والأفعال. فلا شك أن الرشد والسعادة في الاهتداء بهدي النبي r،
وأن الغواية والضلال في مخالفة هديه.
فمن آمن بالله مخلصاً له الدين، واعتصم بسنة
النبيr فهو
المهتدي والسائر على الصراط المستقيم، وكان ذلك علامة على حبه للنبي r, فقد جاء رجل إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب
قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله r
"المرء مع من أحب". فمن
كان محبًّا صادقًا لرسول الله r،
فليتخلق بأخلاقهr, وليهتدي بهديه.
ومن ابتغى إلى الحق والهدى سبيلاً غير سبيل
محمد r
فلن يدرك ما أراد، وسيقوده شيطانه وهواه إلى عذاب الجحيم.
فاستمسك
أيها المسلم بسنة نبيك r،
متذكراً قوله:"إن من ورائكم أيام الصبر، للمُتمسك فيهن بما أنتم عليه أجرُ
خمسين منكم، قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم".
وتعرّف على ما لنبيك r من الحقوق والواجبات فأدّها على أكمل وجه, فإن طوق النجاة من الفتن
والأهواء في الاعتصام بسنته rوالاهتداء
بهديه.
20/4/1432
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق