دعاء الكرب: لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين
نقل ابن كثير رحمه الله أن ابن أبي حاتم
حدّث بسنده عن أنس بن مالك يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يونس
النبي، عليه السلام، حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت، قال:
"اللهم، لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين". فأقبلت هذه
الدعوة تحف بالعرش ، فقالت الملائكة: يا
رب، صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة؟ فقال: أما تعرفون ذاك ؟ قالوا: لا يا رب ، ومن
هو؟ قال: عبدي يونس. قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يُرفَع له عَمَلٌ متقبل ، ودعوة
مجابة؟. [قال: نعم]. قالوا: يا رب، أَوَلا
ترحم ما كان يصنع في الرخاء
فتنجيَه من البلاء؟ قال: بلى. فأمر الحوت فطرحه في العراء .
وقول الله تعالى: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ } أي: أخرجناه من بطن الحوت، وتلك الظلمات. {
وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } أي: إذا كانوا في الشدائد ودَعَونا منيبين
إلينا، ولا سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء، فقد جاء الترغيب في الدعاء
به عن سيد الأنبياء.
وفي مسند الإمام أحمد عن سعد بن أبي
وقاص - قال: مررت بعثمان بن عفان، رضي الله عنه، في المسجد، فسلمت عليه، فملأ
عينيه مني ثم لم يَردُدْ عليّ السلام، فأتيت عمر ابن الخطاب فقلت: يا أمير
المؤمنين، هل حدث في الإسلام شيء؟ مرتين، قال: لا, وما ذاك؟ قلت: لا, إلا أني
مررتُ بعثمان آنفا في المسجد، فسلمت عليه، فملأ عينيه مني، ثم لم يَرْدُد علي السلام. قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه،
فقال: ما منعك ألا تكون رَدَدت على أخيك السلام؟ قال: ما فعلتُ. قال سعد: قلتُ:
بلى حتى حلفَ وحلفت، قال: ثم إن عثمان ذكرَ فقال: بلى، وأستغفر الله وأتوب إليه،
إنك مررت بي آنفا وأنا أحدّث نفسي بكلمة سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا والله ما ذكرتها قط إلا تَغْشَى بصري وقلبي غشَاوة. قال سعد: فأنا أنبئك بها،
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا [أول دعوة] ثم جاء أعرابي فشغله، حتى قَام رسولُ الله r فاتبعته، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منـزله
ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إليّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا؟
أبو إسحاق؟" قال: قلت: نعم، يا رسول الله. قال: "فمه؟" قلت: لا
والله، إلا أنك ذكرتَ لنا أول دعوة، ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك. قال: "نعم،
دعـوةُ ذي النون، إذ هو في بطن الحوت:
{ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } ، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا
استجاب له".ورواه الترمذي، والنسائي في "اليوم والليلة" (1) .
وقال ابن جرير- وذكر السند إلى-
سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن مالك -وهو ابن أبي وقاص-يقول: سمعت رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم يقول: "اسم الله الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئِل به
أعطى، دعوةُ يونس بن متى". قال: قلت : يا رسول الله، هي ليونس خاصة أم لجماعة
المسلمين؟ قال: هي ليونس بن متى خاصة وللمؤمنين عامة، إذا دعوا بها، ألم تسمع قول
الله عز وجل: { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ
الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } . فهو شرط من الله لمن دعاه
به" ).(2)(3)
____________________________
(1)
المسند (1/170) يرقم
1462 وصححه أحمد شاكر. والترمذي(3505) وسنن النسائي الكبرى برقم (10492).
(2)
تفسير جامع
البيان:17/82.وصححه أحمد شاكر.
(3)
تفسير ابن كثير - (ج
9 / ص 438,437) ط دار عالم الكتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق