الأربعاء، 17 أغسطس 2016

صمام الأمان

صمام الأمان..!
متى ظهر الجهل بالدين، وتغلبت الشهوات على النفوس، وتسلط أهل الشر على المصلحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؛ عند ذلك تنتشر المحرمات، وتظهر المنكرات, وتكثر الفتن, ويحل الخوف بعد الأمن؛ فيبحث الناس عن سبب النجاة, وتشتد الحاجة للدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل وإرشاد الغافل، والأخذ على يد السفيه. فيكون المخرج حينئذ هو تقوية الإيمان بالله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله عز وجل ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ  يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ  أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم(. وقال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ).
ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدّمه الله على الإيمان, وجعل هذه الأمة خير الأمم لقيامها بذلك فقال عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..) .
 وأشاد سبحانه بالأعمال الصالحة للمؤمنين ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ حدوده وضمن لهم البشارة فقال سبحانه:(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
فقيام شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الرحمة بالخلق وحب الخير لهم. ومع كون ذلك واجبا دينيا فهو من أسباب الأمن من العقوبة، فإن الناس متى رأوا المنكر ولم يغيروه، أو سكتوا عنه ورضوا به، ولم يأتمروا بالمعروف فقد عرّضوا أنفسهم لغضب الله وعقوبته كما كان ذلك حال بني إسرائيل, فقد قال الله تعالى عنهم:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ  ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ  لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ). وكما أخبر تعالى عمن سبقنا من الأمم في قوله:(فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ).
ثم أخبر الله سبحانه أن الإصلاح والنهي عن الفساد هو العاصم من الهلاك فقال:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). وأنه سبب النجاة فقال تعالى:(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ).
وبيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جلية فقال: "مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا، فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا". صحيح البخاري
والحقيقة المؤلمة :
أن المنكرات قد كثرت وانتشرت انتشارا مؤذناً بالعقوبة, فإن لم يتدارك العقلاء الناصحون الأمر فيخشى والله على الجميع من العقوبة! فقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيّن عاقبة إهماله وتركه فقال:" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم". الترمذي وحسنه, وابن ماجه وصححه الألباني
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه  فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة". مسند أحمد، حسنه ابن حجر في الفتح13/4, والأرنؤوط
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). قال ابن عباس: أمر الله عز وجل الْمُؤمنين أن لا يُقِرُّوا المنكر بين  ظهرانيهم فيعُمَّهم اللَّه بالعذاب ". ينظر تفسير الطبري وابن كثير عند تفسير هذه الآية
و" المُنْكَرُ: هو كلِّ ما نهى اللهُ عنه من الكفر والكذب والخيانة والفواحش والظلم", وقطيعة الرحم والعقوق والرشوة, والإلحاد, والفسوق, والإخلال بالأمن إلى غير ذلك من أنواع المنكرات.
فلو أنّا رأينا لصاً يريد السطو على أحد المنازل أو المحال التجارية, أو مخرباً يحاول العبث بأمن البلد, فمن المعلوم أنه يلزمنا إنكار المنكر والأخذ على يد هذا المجرم بكل الوسائل الممكنة. ونعلم أن من سكت أو رضي بذلك فهو شريك في الإثم والجرم. فحق الله أولى أن يصان, وأن تحفظ حدوده. فإنه لا يسع المسلم أن يرى المنكر فلا يغيره متعللا بقوله لا أستطيع, أو لست مسؤولا عن ذلك, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". صحيح مسلم
  ومعلوم أنّ "الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم في كل حال, وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة". جامع العلوم والحكم لابن رجب2/246
ويتحقق" الإنكار بالقلب ببغض المنكر ، وكراهيته ، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان.. وقد يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضَ عينٍ ، وذلك في حق من يرى المنكر وليس هناك من ينكره وهو قادر على إنكاره ". فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز 3/212 
فعلى المؤمن متى رأى منكرا أن يغيره بقدر استطاعته امتثالا لأمر الله تعالى في قوله:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وقفة تأمل مع الدعاء

      وقفة تأمل مع الدعاء!  الدعاء عبادة جليلة وله مكانة من الدين عظيمة، بل هو العبادة كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحاج...