الشاب قد يندم على فوات طفولته وبراءتها.
والشيخ الكبير يتذكر شبابه ونضارته، وكلما طاف به عبير ذكرياته ، سرح بخياله بين صفحات تلك الأيام الخوالي، فأرسل آهات الشوق والحنين، وقال سقى الله ذلك العهد.
فإن لم يكن محسناً فإنه كلما تقدم به العمر، زاد رصيده من الندم، والتأسف على ما فرّط من زهرة شبابه وأيام فتوّته.
فلا يزال ذلك دأبه يسير في دروب الحياة، وتمضي به الليالي والأيام وهو في غفلة حتى تسلمه إلى دار القرار.
فياحسرةً على من كان مفرطا عاصيا، يقول اللهُ عز وجل: ﴿وَجِيءَ يَومَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَومَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسانُ وَأَنّى لَهُ الذِّكرى * يَقولُ يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي﴾.
فليحرص كل منا على إخلاص النية لله وليستكثر من الأعمال الصالحة، وليسأل ربه التوفيق والإعانة.
فإن الخلق ينقسمون يوم الدين إلى فريقين: فريق في الجنة في حبور وسرور ونعيم مقيم، وفريق في السعير، في حزن متصل وندم ملازم، وحسرة لا تنقطع، وعذاب أليم.
استمع إلى تحسرهم وعبارات التفجع والندم { قالوا يا حَسرَتَنا عَلى ما فَرَّطنا فيها وَهُم يَحمِلونَ أَوزارَهُم عَلى ظُهورِهِم أَلا ساءَ ما يَزِرونَ}. وقولهم:{رَبَّنا أَخرِجنا مِنها فَإِن عُدنا فَإِنّا ظالِمونَ}.
وقد أخبر الله عن مصير الأشقياء فقال:{فَأَمَّا الَّذينَ شَقوا فَفِي النّارِ لَهُم فيها زَفيرٌ وَشَهيقٌ *خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُريدُ }
فالمفرط لن ينفعه الندمُ يومئذ، وإنما يزيده شقاء وحسرة.
فالعبرة لنا من ذلك تدارك الفرصة قبل فواتها، والموفق من اغتنم العمر قبل انقضائه ففي الحديث " اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".( أخرجه الحاكم)
فاجتهد وجاهد لتكون من فريق السعادة الذي قال الله عنهم:
{وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيرَ مَجذوذٍ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"اعْمَلُوا ؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ".( أخرجه البخاري ومسلم).
اللهم اجعلنا جميعا من السعداء بمنك وكرمك يا سميع الدعاء.
________________________
محمد بن علي بن محمد الشيخي
٣٠/شعبان/١٤٤١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق