الأحد، 30 يوليو 2023

من مظاهر التيسير في هذا الدين

 

     

 نِعم الله جل وعلا لا تحصى، وأجلّها نعمة الإيمان.. 

ومن تمام هذه النعمة العظيمة التييسر الذي مَنَّ به الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين. 

فامتنّ الله بالتيسير في هذا الدين المبارك، وجعله سمة ظاهرة لهذه الشريعة  الطاهرة فقال سبحانه وتعالى:  { ونيسّرك لليسرى}

فقد يسّر الله بكرمه ورحمته أحكام الدين، وأوضح عقائده، وسّهل على عباده حمل تكاليفه، فله الحمد كله. 

 وقد ذكّرنا سبحانه ما امتنّ به علينا من الهداية لدينه وتيسيره في  مواضع كثيرة من كتابه، فمنها قوله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بكم العسر} وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }. 

فكل مظاهر التيسير جعلها الله لهذا الدين سماتـاً بـارزة، وفضائل ظاهرة. 

يُسرٌ في التكاليف كما سبق، ويُسرٌ في الطهارة، ورفعٌ للآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا. 

فقد جعل الله لنا طهورين، لا طهوراً واحداً، الماء والتيمم بالتراب. والمسح على الخف والجبيرة والعمائم. 

 تيسير الصلاة في مواضع الصلاة وغي القبلة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فعنده طهوره ومسجده". عن أبي أمامة عند أحمد، وفي الصحيحين نحوه عن جابر رضي الله عنه. 

 قال الله تعالى:{ وَحَيْتُ مَا كُنتُمْ قَولُوا وُجُوهَكُمْ شطرَه }.

والتيسير في أهم أركان الدين بعد التوحيد، في كيفية الصلاة: 

"صل قائماً، فإن لم استطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب". 

ومن مظاهر التيسير فيها القصر والجمع للمسافر ، والجمع لصاحب الحاجة والعذر. 

وفي الصيام من التيسير ما أباحه الله تعالى من الفطر للمسافر وأصحاب الأعذار من الحائض والمريض والكبير ثم شرع لهم القضاء أو الإطعام حتى يأخذوا حظهم من فضل الصيام وثوابه.  ومن التيسير في الصوم مشروعية تأخير السحور، وتعجيل الفطر.

ومما يسره الله على عباده في فريضة الزكاة: أنه تعالى فرضها في أصناف من المال معلومة محدودة. وتجاوز فضلاً منه تعالى عما سواها، ففرضها في بهيمة الأنعام، وفي السائمة منها. وعفا للمسلم عما يحتاجه منها لركوبه كفرسه، وبقره العوامل، ويسر مقادير الخارج من الزروع وجعل زكاتها بحسب الكلفة والمؤنة، فما زادت فيه الكلفة والمؤنة؛ قل مقدار الزكاة، فجعل فيما سقي بمؤنة نصف العشر، وفيما سقي بغير مؤنة جعل فيه العُشر.

وأوجبها تعالى في كل الأموال الزكوية بشروط لابد من توفرها منها بلوغ النصاب، فما كان دونه فهو معفو عنه. واشترط مضي الحول..، وصرفها سبحانه إلى ثمانية أصناف، تيسيراً على صاحب الزكاة في أن تكون في مصرف واحد، فقد

يجد مشقةً في الوصول إليه، وقد لا يتيسر له وجوده في بعض الأحيان، كالرقاب مثلاً في هذا الزمان، فمن أراد إخراج زكاته فعنده ثمانية أصناف تصرف الزكاة لمن تيسر له منهم إعطاؤه، ونوّع تعالى أصنافهم لتعم الفائدة بالزكاة أكثر من جهة.

ومن مظاهر التيسير في الحج ما لو جُمع في كراس فطالعه الحاج لما كف لسانه عن اللهج بحمد ربه والثناء عليه، فقد أوحب الله تعالى  فرض الحج في العمر مرة واحدة. وذلك من رحمته بعباده. 

 فكم  من المشقة على المؤمن لو كان فرض الحج كل عام كالصيام؟! إذًا لكان في ذلك أكبر الخرج على المسلم. فكيف يجتمع الناس كلهم في صعيد واحد في كل سنة ؟!

ولما في ذلك من المشقة والعسر جاء قول الله سبحانه:                {ونيسرك لليسرى} مذكِراً بهذه النعمة.  

ثم جعل سبحانه لوجوب الحج شروطاً منها الاستطاعة، ويسّر  مناسك الحج فجعلها ثلاثة أنساك، وكم ترى من مظاهر التيسير في الحج: إن شئت في يوم عرفة، فتذكر ما شرعه تعالى من جمع صلاتي الظهر والعصر شفقة بالحاج مثلاً.

وإن شئت فيما يسّره من الوقوف على أرض عرفة كلها، ولم يحصره تعالى بجزء منها.

وإن شئت ففي المبيت بالمزدلفة. فقد علم تعالى ما يلحق الحاج في نهار عرفة من التعب فجعل المبيت بمزدلفة راحة له فلم يشرع لهم بها من النسك إلا الصلاة والدعاء، حتى تعلم ما تتقلب فيه من نعم الله، وتتذكر مظاهر التيسير التي تكرم بها ربنا البر الرحيم.

وفي منى ترى مظاهر اليسر واضحةً في أكثر المناسك. فجعل للحاج الرخصة في عمل ما يتيسر له من أعمال ذلك اليوم من رمي وحلق وطواف. ووسّع في وقت الرمي .. وجعل تعالى لمن فاته شيءٌ من هذه الأنساك بعذر جعل له كفارة يجبر بها نسكه، ويتم بها ثوابه، كالكفارة في محظورات الإحرام. والتيسر في طواف الإفاضة، فعيّن أول وقته ثم وسعه إلى آخر أيام الحج. 

فتلكم بعض مظاهر التيسير في أركان الدين، فكيف بما سواها مما هو دونها في المرتبة والتكليف! ؟

يقول الله الكريم اللطيف الخبير :  {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليسر  ولا يريد بكم العسر} 

ولو أمعنا النظر في يسر هذا الدين لعرفنا قدر النعمة به، وعظيم فضل الله تعالى علينا بتيسيره، وبما مَنّ الله به علينا من الهداية له. 

فتأمل أيها الموفق أول أركان دينك وهو الإيمان بالله ورسوله ، فإن الله قد يسر ذلك أعظم تيسير، فجعل ما كلفك به شهادةً تقولها نطقاً بلسانك، مؤمناً بها قلبك، وتصدقها أعضاؤك وجوارحك بالعمل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، كلمة تنجي صاحبها العامل بها، الصادق فيها من عذاب النار.

وتوجب له نعيم الجنة.

 فأي تيسير يماثل هذا أو يقاربه ؟!

 و لم يقف التيسير عند ذلك، بل تعداه إلى اليُسر في فهم المسلم لأحكام دينه وعقائده.

 فقد بينها تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه بيانا شافياً كافياً، مما جعل التكليف بالعبودية أظهر مايكون معرفةً لما أُمر به وما نُهي عنه،

ويسّر الله أهم قضايا الدين تيسيراً عظيماً، فإذا قرأ القارئ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ .

فأي عقيدة أوضح من هذه، وأيُّ كلام أبين في إيضاح حق الله وصفاته من هذا؟! 

يقرأ القارئ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. فيؤمن بأن الله استوی على عرشه استواءً يليق بجلاله تعالى وعظمته.

 فهل تحتاج هذه العقيدة إلى شرح أو بيان فوق ما أوضحه تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من آداب سورة الحجرات

    من آداب سورة الحجرات قال الله عزوجل; ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّه...