الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

قـل للمـؤمنــين يغضــوا مــن أبصـارهم.. }

    {قـل للمـؤمنــين يغضــوا مــن أبصـارهم.. }                                          


خلق الله الجن والإنس  لعبادته، يأمرهم فيطيعوه، وينهاهم فيجتنبوا ما نُهوا عنه. 

وإن مما شرعه الله لعباده وأمرهم به الطهر والعفاف وغض الأبصار وحفظ الفروج. قال الله سبحانه { قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَیَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ }

فعلى المؤمن إذا بلغه الأمر من الله أن يقابله بالسمع والطاعة والاستجابة، فيُلقى له سمعه ويحضر قلبه. 

وإن مما يعينه على امتثال أمر ربه؛ معرفة معنى ما أراد الله منه.

قال ابن كثير رحمه الله:" هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرّم عليهم، فلا ينظرون إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم فإن وقع البصر المؤمن على محرم من غير قصدٍ فليصرف بصره سريعاً, فعن جرير رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فقال:" اصرف  بصرك". 

   ( مسلم وأبو داود وأحمد) . 

 فحفظ الفرج يكون بمنعه من الزنا، كما قال عز وجل: { قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَیَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ }

وتارة يكون أيضاً بحفظه من النظر إليه . ولما كان النظر داعيةً إلى فساد القلب؛ لذلك أمر الله بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك.

وقوله تعالى:{ ذَ ٰ⁠لِكَ أَزۡكَىٰ}. أي: أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم ".  (تفسير القرآن العظيم: ٢١٤،٢١٢/١٠)   

 ولقد يسّر الله على المؤمنين الأسباب التي تعينهم على تحقيق أمره بغض الأبصار وحفظ الفروج، من أخذ بها، أعانه الله ووفقه لطاعته.

  فالأول منها: 

العلم بأن غض البصر وصرفه عما حرم الله هو ما أمر الله به في هذه الآية وقدمه على الأمر بحفظ الفروج. 

 فإن حصل منه ما حُرِم عليه من غير قصد فيجب عليه المبادرة بغض بصره أمثالاً لقول ربه سبحانه:{ قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَیَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡۚ} وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم القائل:" اصرف بصرك ".

والثاني: أن يعلم المسلم أنه إذا كان الله قد عفى عنه في النظر غير المقصود، إلا أنه أمره بعدم تكرار النظر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تتبع النظرة النظرة. فإن لك الأولى وليست لك الأخرى ". [أخرجه أبو داود والترمذي] . 

وهذا الحديث فيه علاج للناظر يقطع به مادة الشر بصرف النظر وعدم تكراره وتعمده حتى لا يسري الفساد إلى قلبه فتمرضه الشهوة، وهذه حمية شرعية.

والقلب إذا صُرف عن الشيء في أول أمره سهل علاجه. ومتى أهمل ذلك، وتكرر منه النظر جاءت على إثره الخواطر والأفكار، ثم الأماني والشهوات فيصعب حينئذٍ علاجه.

والثالث: ان يتذكر أنّ مما يعين على حفظ الفرج؛ غض البصر إذ هو دليله وسائقه، وأنه متى قنع المؤمن بالحلال كان فيه الغنى عن الحرام. وهو أطيب منه وأكمل سعادة، فضلاً عما في هذا من الأجر. وما في ذلك من الوزر.

فقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علاج ذلك فقال:"إن المرأة تُقبل في صورة شيطان وتُدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأةً فأعجبته فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه ". [صحيح مسلم] .

قال ابن الجوزي:" وقد نبّه هذا الحديث على أمرين أحدهما: التسلي عن المطلوب بجنسه. والثاني: الإعلام بأن سبب الإعجاب قوة الشهوة فأمر بتنقيصها". ( ذم الهوى: ١٤٦/١)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء".(أخرجه البخاري ومسلم).

والرابع: أن يعلم المؤمن أنه متى تعدى حدود الله بالنظر إلى الحرام - أو بأي أنواع المعاصي- أنه لا يجد الراحة بذلك، بل إنه كلما تمادى طرفه؛ ازداد قلبه تعلقاً وحسرة.. ومن غلب نفسه  على هواها وردها إلى الحلال أنها ترضى وتقنع به.

الخامس: البعد عن مواطن الفتن، ومثيرات الشهوة المحرمة. ومن ذلك أن لا يترخص الإنسان في النظر إلى الصور إن عدمت الأشخاص. كالذين يعكفون على مشاهدة الأفلام والصور التي تعرض الفتنة والبلاء.

السادس: أن يتذكر هذا الناظر أنه متعرض لمرض قلبه وسخط ربه وغضبه لقلة حيائه من الله وليعلم أن الله يغار، وأنه لا أحد أغير من الله ومن أجل ذلك حرّم الفواحش، كما جاء عن رسول الله في قوله صلى الله عليه وسلم :"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ". (البخاري ومسلم)

فليستشعر الناظر علم الله به، ورؤيته له فإن الله قد ختم هذه الآية بقوله:  {إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ} فلا تخفى عليه خافية، وأخبر تعالى في موضع آخر أنه:{ یَعۡلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلۡأَعۡیُنِ وَمَا تُخۡفِی ٱلصُّدُورُ }.

السابع: أن يتذكر الثواب الموعود به من حفظ فرجه وغض بصره، وجاهد نفسه وهواه ابتغاء مرضاة الله. وأن الله قد أبدله في الدنيا بما أحل له. وأدّخر له من لذة النظر إلى وجهه تعالى والتمتع بالحور الحسان في الجنة بما لا يخطر على بال.

وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم :" حرمت النار على عين دمعت من خشية الله، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله، حرمت النار على عين غضت عن محارم الله". (سنن الدارمي رقم: ٢٤٤٠، ومستدرك الحاكم:  ج: ٢/ص:١٣٤. والمسند: ج:٢/ص:٨٣).

والقصد أن من استحضر الثواب المعد لمن حفظ بصره وفرجه. والعقاب الموعود به المعتدي؛ هان عليه علاج هذا الأمر، واستيقظ قلبهُ من غفلته، وقرّت عينهُ بما آتاها الله.

الثامن: ومن الأسباب التي تعين على البعد عن النظر المحرّم أن يتفكر العاقل في العاقبة التي يؤول إليها أمره لو انساق مع شهوته.

فإن الإنسان إذا قضى شهوته من الحرام إنما هي إلا لحظة ثم تقع الحسرة, ويحل الإثم والعار. فقد يسلِم العبد من عقوبة الدنيا ولكن عقوبة الآخرة له بالمرصاد{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

فكم ذي معاصي نال منهن لذةً          

   فمـات وخلاها وذاق الدواهيـا

تصرّم لذات الـمعاصي وتنقضي         

 وتبقى تبِعات المعاصي كما هيا. 

وفتنة النظر المحرّم تزداد اشتعالاً كلما ابتعد الناس عن شرع الله وهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، وكلما ضعُف وازع الإيمان في القلوب.

وإن من شكر المنعم سبحانه على نعمة البصر؛ حفظه ، وحفظ الجوارح كلها عما حرّم الله. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق على مقالة الددو.

  تعليق على مقالة الددو.  وتنبيه لما وقع فيه من محاذير.  ________________ بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . وبعد:  فقد قال...