طلب المدد من الأنبياء والأولياء والتمسح بالأضرحة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وفيما يلي نَصّ فتوى دار الإفتاء المصرية،بتاريخ: ١٧/ديسمبر/٢٠٠٦م. رقم الفتوى: ٤٦١٤.
"لا مانع شرعًا من طلب المسلم المددَ من الأنبياء والأولياء والصالحين؛ ولا فرق في ذلك بين كونهم أحياء أو منتقلين؛ لأنه محمول على السببية لا على التأثير، كما أَنَّ الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم حملُها على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد، فالعبرة في التمسح بالأضرحة أو تقبيلها هي حيث يجد الزائر قلبه، ولا يجوز المبادرة بر ميه بالكفر أو الشرك.".
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
ففي هذه الفتوى عدة مؤاخذات وأخطاء، يجب التنبيه عليها نصحاً لله ولدينه وللمسلمين..
منها:
١- قولهم:" لا مانع شرعاً من طلب المسلم المدد من الأنبياء والأولياء.. ".
٢- "كون ذلك محمول على السببية لا على التأثير.. ".
٣- "العبرة في التمسح بالأضرحة وتقبيلها حيث يجد الزائر قلبه" .
٤- وقولهم:" أَنَّ الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم حملُها على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد".
فالجواب عن ذلك:
أولاً: أن يعرض كل قول في الدين أو فتوى على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لتُعرف صحته من بطلانه، فإن كان باطلاً وجب بيان ذلك وإقامة الحجة بالأدلة الصريحة الواضحة، والتحذير من الانخداع به، ثم رده على قائله كائناً من كان.
ثانياً: يلزم معرفة معنى قولهم:طلب المدد من الأنبياء والصالحين بعد موتهم.
والجواب عنه: أليس معناه : دعاؤهم والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات من دون الله، أو مع الله؟!
فإن كان ذلك جائزاً، فأين أدلتهم على جوازه؟
والحقيقة أنه لا دليل لهم على قولهم هذا، بل الأدلة متظافرة على بطلانه.
وكما هو معلوم أن طلب المدد دعاء، وهو أيضاً استغاثة واستعانة بميت أو غائب أو عاجز فيما لا يقدر عليه إلا الله، بل ذلك من الشرك الذي أرسل الله عز وجل رسله عليهم الصلاة والسلام بالنهي عنه والتحذير منه.
وقد نهى الله عن دعاء غيره فقال تعالى:-{ وَأَنَّ ٱلۡمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدࣰا }
وطلب المدد دعاء، وقد أمر الله جل وعز بإخلاص الدعاء له فقال تعالى: { فَٱدۡعُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ }.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله". ( الترمذي: ٢٥١٦، وأحمد: ٢٧٦٣)
فالواجب على العباد إخلاص الدعاء لله وحده عز وجل، وألاّ يشرك معه أحد.
فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: " أيُّ الذنب أعظم؟ فقال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك".(أخرجه البخاري: ٤٤٧٧ ، ومسلم: ٨٦ )
ومن طلب المدد واستغاث بغير الله فيما لايقدر عليه إلا الله فقد جعل المدعو نداً لله يستجيب الدعاء، وينفع ويضر بعد موته، فمن فعل ذلك فقد ضاهى المشركين الذين كانوا يدعون الأوثان من دون الله.
فأنّى لميت أن يسمع دعاء من دعاه، أو نفع من رجاه، وهو عاجز عن نفع نفسه!
وأما طلب المدد من الأنبياء أو الأولياء كما ذُكر في الفتوى فقد أرسل الله سبحانه رسله عليهم السلام بالنهي عنه والتحذير منه في مثل قوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَضُرُّكُمۡ }
وأنكر عليهم فعلهم فقال تعالى:{وَٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا یَسۡتَطِیعُونَ نَصۡرَكُمۡ وَلَاۤ أَنفُسَهُمۡ یَنصُرُونَ} وقال جل وعلا: { ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا یَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِیرٍ • إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا یَسۡمَعُوا۟ دُعَاۤءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُوا۟ مَا ٱسۡتَجَابُوا۟ لَكُمۡۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا یُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِیرࣲ }.
فسمى الله تعالى دعاء غيره شركًا فقال سبحانه:{وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ}.
وقال الله تعالى:{ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَالا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإن فَعَلْتَ فَإنكَ إذًا مِنَ الظَّالِمِينَ • وَإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ الا هُوَ} وقال سبحانه: {وَمَنْ أضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
فهذه الفتوى تجوّز طلب النفع ودفع الضر ، والتبرك بغير الله من الأولياء وغيرهم. وتتضمن الدعوة إلى طرق الضلال عن التوحيد، وذلك من أعظم المنكر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض الأنبياء والصالحين متبركاً بالصلاة في تلك البقعة: فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله ، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة عند القبر -أي قبر كان- لا فضل فيها لذلك،ولا للصلاة في تلك البقعة مزيّة خير،بل مزية. شر".(اقتضاء الصراط،المستقيم: ٥٤٦/ إصدار مؤسسة ابن عثيمين)
وقول لجنة الفتوى: " لا مانع شرعا من التمسح بالأضرحة ".
هذا افتئات على الشرع، ومعاندة لنصوصه المحكمة، ومنها الآيات التي سبق ذكر بعضها، وكذلك ما ثبت في السنة، فقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله). ( البخاري :٤٢٧، ومسلم :٥٢٨)
وعنها قالت: "لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمَّ بها كشفها، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خُشِيَ أن يُتخذ مسجداً". (البخاري:٤٣٥ ومسلم: ٥٣١)
وقد أورد هذين الحديثين الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد، في باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح ، فكيف إذا عبده؟.
فلا يجوز التمسح ولا التبرك بشيءٍ من الأبنية والمواضع، إلا الحجر الأسود في الكعبة.قال عمر رضي الله عنه" إني لأعلم أنك حجر لاتضر ولا تنفع ولولا أني، رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك".( البخاري: ١٥٩٧)
ومن أدعى سوى هذا فليأت بدليل من القرآن أو السنة أو فعل الصحابة رضي الله عنهم.. قال ابن القيم رحمه الله: "ومن المحال أن يكون دعاء الموتى أو الدعاء بهم أو الدعاء عندهم مشروعًا وعملاً صالحًا ويصرف عنه القرون الثلاثة المفضلة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يُرزَقَه الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون". (إغاثة اللهفان:٢٠٢/١ /تحقيق محمد حامد الفقي )
وثانياً: قولهم: "كون ذلك محمول على السببية لا على التأثير". ويعنون أن التبرك بالميت وسيلة وسبب، وليس له من التأثير في شيء.
وتلك هي مقالة المشركين بعينها كما قال الله عز وجل عنهم:{ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ } فهم كاذبون في قولهم، كفار بفعلهم.
فأيُّ حجةٍ لهم أن الله جعل دعاء غيره سبباً للاستجابة وحصول المطلوب { أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰۤؤُا۟ شَرَعُوا۟ لَهُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا لَمۡ یَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ} وقد توعّد الله أصحاب هذه الأعمال فقال عز وجل: {..إِنَّ ٱلَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا نَسُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ }.
وقول لجنة الفتوى:"فالعبرة في التمسح بالأضرحة أو تقبيلها هي حيث يجد الزائر قلبه".
فما هو الدليل على ذلك، أهو نصٌ محكمٌ من شرع الله، أم هوى النفوس ووساوس الشياطين.؟!!
انظر الحجة الواهية، والعلة المسوّغة لهذا العمل القبيح، " إنها حيث يجد الزائر قلبه"!
فعحباً لهذا الزائر الذي لا يجد قلبه في السجود بين الله، وفي صدق التوجه إليه تعالى، بينما يجده عند المسح بالأحجار والقبور! .
ودعاة الضلال يزّينون له فعله ويضلونه بالشبهات الباطلة، والحجج الواهية، والله عز وجل يقول: { وَٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا یَخۡلُقُونَ شَیۡـࣰٔا وَهُمۡ یُخۡلَقُونَ • أَمۡوَ ٰتٌ غَیۡرُ أَحۡیَاۤءࣲۖ وَمَا یَشۡعُرُونَ أَیَّانَ یُبۡعَثُونَ• إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۚ فَٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةࣱ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ } فهؤلاء الجهال من المتبوعين والتابعين قد انصرفت وجوههم عن القبلة ، وعكفت قلوبهم على الأضرحة يرجون من الأموات النفع ودفع الضر، ووجدوا الأُنس عند الأموات، ولم يجدوه عند الحي الذي لايموت عز وجل، الذي بيده ملكوت شيء، أليس هذا من الشرك الأكبر؟!
فمن أفتى بذلك أو دعا إليه ثم تبعه الناس على ذلك وأخذوا بقوله فقد باء بإثمه وآثامهم، قال تعالى:{ لِیَحۡمِلُوۤا۟ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةࣰ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِینَ یُضِلُّونَهُم بِغَیۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَاۤءَ مَا یَزِرُونَ }.
وقولهم في الفتوى: "أَنَّ الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم حملُها على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد".
لو قيل : الأصل في المسلم الحذر من الشرك ووسائله، و العناية بالتوحيد الذي هو أوجب الواجبات على العبيد. ومن أجله خلق الله الثقلين، فقال{ وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
وأي توحيد هذا المذكور في الفتوى، وقد أجازت اللجنة وشرّعت ضده وهو الشرك بالله، ودعاء الأموات والتبرك بالأضرحة، كما كان يفعله المشركون في الجاهلية.
ثم ما هو ذنب العامة وجهلة الناس إذا سألوا جهة مخوّلة بالفتوى ، ووثقوا بها فأجابتهم بما هو باطلً، وغش لهم في دينهم، وإضلال لهم عن سواء السبيل! ؟
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .
—----------
٢٣/صفر/١٤٤٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق