السبت، 5 أبريل 2025

 من أخلاق الأنبياء عليهم السلام في القرآن. 

                ***

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم خيرة الله من عباده. 

 اصطفاهم لرسالته، ودعوة الناس إلى توحيده وعبادته.

وجملّهم بأحسن الصفات، وأكرم الأخلاق.. 

فهم قدوة الصالحين، وحجة على الخلق أجمعين.

وقد أفلح من اقتدى بهم ، وفاز من أطاعهم واتبعهم.. 

وقد ورد في سور القرآن وآياته الكثير من الأمثلة على أخلاقهم الطاهرة وصفاتهم الزاكية.. 

وعند استعراض الآيات الكريمة التي أوردها، نجد أنها قد تضمنت من صفات الأنبياء ما ذُكِر فيها نصاً، أو أشير إليه معنىً.. 

وسأذكر هنا بعضها مشيراً إليها كإشارة  فذكرها يغني عن تفصيل العبارة..

ففي تدبر الآيات التي تُذكر فيها بعض صفاتهم عليهم الصلاة والسلام وأخلاقهم خير كثير، وفقهٌ عظيم.. 

ومن المعلوم أنه لم يرد في القرآن ذكر جميع أخلاق الأنبياء، وما جاء منها فبحسب سياق وموضوع الآيات.

ثم الوقوف على ما تحلى به أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام من  الفضائل العظيمة والشمائل الكريمة يدعو المسلم لأن تكون  له بهم أسوة حسنة. 

فلقد أمر تعالى نبيه محمداً  صلى الله عليه وسلم بعد أن قص عليه من أخبارهم أن يقتدي بهم فقال جل وعلا:{أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ }.

ونسأل الله أن يرزقنا جميعاً الاقتداء بهم في الأعمال والأخلاق، وأن  نكون في الدار الآخرة من رفقائهم. 

    

نوح /عليه السلام. 

١-اجتهاده في دعوة قومه..

لقد منح الله نبيه نوحاً عليه السلام  القوة والصبر في دعوة قومه رجاء إيمانهم، و رغم ذلك الجهد الدائب لقريب من ألف سنة من الصبر والجد في الدعوة دون كلل أو ملل.. إلا أنه لم يزيدهم ذلك إلا ضلالاً وإعراضاً عن الهدى، كما قال الله سبحانه عنه: { قَالَ رَبِّ إِنِّی دَعَوۡتُ قَوۡمِی لَیۡلࣰا وَنَهَارࣰا • فَلَمۡ یَزِدۡهُمۡ دُعَاۤءِیۤ إِلَّا فِرَارࣰا • وَإِنِّی كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوۤا۟ أَصَـٰبِعَهُمۡ فِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡا۟ ثِیَابَهُمۡ وَأَصَرُّوا۟ وَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ ٱسۡتِكۡبَارࣰا • ثُمَّ إِنِّی دَعَوۡتُهُمۡ جِهَارࣰا • ثُمَّ إِنِّیۤ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ لَهُمۡ إِسۡرَارࣰا • فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارࣰا} الآيات. 

وفي مقام آخر قال الله سبحانه عنه:{وَیَـٰقَوۡمِ لَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَاۤ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ۚ إِنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ رَبِّهِمۡ وَلَـٰكِنِّیۤ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمࣰا تَجۡهَلُونَ • وَیَـٰقَوۡمِ مَن یَنصُرُنِی مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمۡۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ • وَلَاۤ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِی خَزَاۤىِٕنُ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ وَلَاۤ أَقُولُ إِنِّی مَلَكࣱ وَلَاۤ أَقُولُ لِلَّذِینَ تَزۡدَرِیۤ أَعۡیُنُكُمۡ لَن یُؤۡتِیَهُمُ ٱللَّهُ خَیۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِیۤ أَنفُسِهِمۡ إِنِّیۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ • قَالُوا۟ یَـٰنُوحُ قَدۡ جَـٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَ ٰ⁠لَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ • قَالَ إِنَّمَا یَأۡتِیكُم بِهِ ٱللَّهُ إِن شَاۤءَ وَمَاۤ أَنتُم بِمُعۡجِزِینَ • وَلَا یَنفَعُكُمۡ نُصۡحِیۤ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ یُرِیدُ أَن یُغۡوِیَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ ..} 

ومنها قوته في الحق، وتوكله على الله فيما أخبر الله عنه في قوله لهم{ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكُم مَّقَامِی وَتَذۡكِیرِی بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ..} ثم تحداهم جميعاً، ولم يكترث بالباطل وأهله قائلاً:     { فَأَجۡمِعُوۤا۟ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَیۡكُمۡ غُمَّةࣰ ثُمَّ ٱقۡضُوۤا۟ إِلَیَّ وَلَا تُنظِرُونِ }..


٢- تسليمه لأمر الله في غرق ابنه  الكافر.. ورضاه بقدر الله جل وعلا. 

فعندما حل بقومه العذاب وأغرقهم الله، وهلك معهم ابنه الكافر، سأل نوحٌ ربه أن ينجي ابنه، قال الله تعالى:{ وَنَادَىٰ نُوحࣱ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِی مِنۡ أَهۡلِی وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ • قَالَ یَـٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَیۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَیۡرُ صَـٰلِحࣲۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّیۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ • قَالَ رَبِّ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَیۡسَ لِی بِهِۦ عِلۡمࣱۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِی وَتَرۡحَمۡنِیۤ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ}..

فاستغفر ربه وسلّم لأمر الله ورضي بقضائه. 


… 

إبراهيم الخليل/ صلى الله عليه وسلم. 

١-.مجاهدته في دعوة أبيه وملاطفته له، ونصحه، وبره به واستغفاره له.

وقوة بيانه في الدعوة إلى توحيد الله. 

 قال الله في ذلك عنه: {وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّیقࣰا نَّبِیًّا • إِذۡ قَالَ لِأَبِیهِ یَـٰۤأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا یَسۡمَعُ وَلَا یُبۡصِرُ وَلَا یُغۡنِی عَنكَ شَیۡـࣰٔا • یَـٰۤأَبَتِ إِنِّی قَدۡ جَاۤءَنِی مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ یَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِیۤ أَهۡدِكَ صِرَ ٰ⁠طࣰا سَوِیࣰّا • یَـٰۤأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ عَصِیࣰّا • یَـٰۤأَبَتِ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یَمَسَّكَ عَذَابࣱ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّیۡطَـٰنِ وَلِیࣰّا • قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِی یَـٰۤإِبۡرَ ٰ⁠هِیمُۖ لَىِٕن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِی مَلِیࣰّا• قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّیۤۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِی حَفِیࣰّا}..

وقال الله تعالى عنه أيضاً في مقام الدعوة والمناظرة لقومه ودعوتهم إلى الإيمان بنصحٍ ظاهرٍ وبيان شاف: { وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ • إِذۡ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ • قَالُوا۟ نَعۡبُدُ أَصۡنَامࣰا فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِینَ • قَالَ هَلۡ یَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ • أَوۡ یَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ یَضُرُّونَ • قَالُوا۟ بَلۡ وَجَدۡنَاۤ ءَابَاۤءَنَا كَذَ ٰ⁠لِكَ یَفۡعَلُونَ • قَالَ أَفَرَءَیۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ • أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ • فَإِنَّهُمۡ عَدُوࣱّ لِّیۤ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ • ٱلَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهۡدِینِ • وَٱلَّذِی هُوَ یُطۡعِمُنِی وَیَسۡقِینِ •وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ یَشۡفِینِ • وَٱلَّذِی یُمِیتُنِی ثُمَّ یُحۡیِینِ •وَٱلَّذِیۤ أَطۡمَعُ أَن یَغۡفِرَ لِی خَطِیۤـَٔتِی یَوۡمَ ٱلدِّینِ • رَبِّ هَبۡ لِی حُكۡمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ }.

٢-وعند مناظرته للملك في الربوبية ومحاجته له، قال الله تعالى عنه:    { أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِی حَاۤجَّ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ فِی رَبِّهِۦۤ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ رَبِّیَ ٱلَّذِی یُحۡیِۦ وَیُمِیتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡیِۦ وَأُمِیتُۖ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَأۡتِی بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِی كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ }.

 ٣- ومقام آخر في مجادلة الخليل صلى الله عليه وسلم قومه في التوحيد، وما أظهر من قوة الحجة ورباطة الجأش الدال على صبره وكمال نصحه لقومه، قال الله تعالى عنه في هذا الشأن: { وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَاۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ رُشۡدَهُۥ مِن قَبۡلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَـٰلِمِینَ • إِذۡ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِیلُ ٱلَّتِیۤ أَنتُمۡ لَهَا عَـٰكِفُونَ • قَالُوا۟ وَجَدۡنَاۤ ءَابَاۤءَنَا لَهَا عَـٰبِدِینَ • قَالَ لَقَدۡ كُنتُمۡ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُمۡ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ • قَالُوۤا۟ أَجِئۡتَنَا بِٱلۡحَقِّ أَمۡ أَنتَ مِنَ ٱللَّـٰعِبِینَ • قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِی فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَ ٰ⁠لِكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ • وَتَٱللَّهِ لَأَكِیدَنَّ أَصۡنَـٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّوا۟ مُدۡبِرِینَ • فَجَعَلَهُمۡ جُذَ ٰ⁠ذًا إِلَّا كَبِیرࣰا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَیۡهِ یَرۡجِعُونَ • قَالُوا۟ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِـَٔالِهَتِنَاۤ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ • قَالُوا۟ سَمِعۡنَا فَتࣰى یَذۡكُرُهُمۡ یُقَالُ لَهُۥۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمُ • قَالُوا۟ فَأۡتُوا۟ بِهِۦ عَلَىٰۤ أَعۡیُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡهَدُونَ • قَالُوۤا۟ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَـٰذَا بِـَٔالِهَتِنَا یَـٰۤإِبۡرَ ٰ⁠هِیمُ • قَالَ بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِیرُهُمۡ هَـٰذَا فَسۡـَٔلُوهُمۡ إِن كَانُوا۟ یَنطِقُونَ•فَرَجَعُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوۤا۟ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ• ثُمَّ نُكِسُوا۟ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ یَنطِقُونَ • قَالَ أَفَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَضُرُّكُمۡ • أُفࣲّ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ }. 

لقد منح الله خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم حجة ظاهرة ولساناً صادقاً، وآتاه قوة في إظهار الحق.

 ٤- كرمه صلى الله عليه وسلم في ضيافته الملائكة. ومن ذلك ماقصه الله الله علينا من خبره معهم في قوله: { هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ ضَیۡفِ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ ٱلۡمُكۡرَمِینَ • إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَیۡهِ فَقَالُوا۟ سَلَـٰمࣰاۖ قَالَ سَلَـٰمࣱ قَوۡمࣱ مُّنكَرُونَ •فَرَاغَ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ فَجَاۤءَ بِعِجۡلࣲ سَمِینࣲ • فَقَرَّبَهُۥۤ إِلَیۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ }..

٥- وصف الله تعالى خليله بثلاث صفات جليلة، مجموعة في جملة واحدة، وهي أنه حليم، وأواهٌ:  أي المتأوه الخاشع. ومنيب، أي:  رجاع إلى الله، فقال تعالى:{إِنَّ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّ ٰ⁠هࣱ مُّنِیبࣱ }.

٦- مسارعته في تنفيذ أمر الله بذبح ابنه إسماعيل.

 وإنما كان الأمر رؤيا رأها، فبادر  بالامتثال راضياً مستسلماً في أشد صور الامتحان ألا وهي ذبح وحيده وفلذة كبده، يقول الله سبحانه: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡیَ قَالَ یَـٰبُنَیَّ إِنِّیۤ أَرَىٰ فِی ٱلۡمَنَامِ أَنِّیۤ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ یَـٰۤأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِینَ • فَلَمَّاۤ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِینِ • وَنَـٰدَیۡنَـٰهُ أَن یَـٰۤإِبۡرَ ٰ⁠هِیمُ • قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡیَاۤۚ إِنَّا كَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ • إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَـٰۤؤُا۟ ٱلۡمُبِینُ }.

أيُّ بلاءٍ هذا؟

إنه الأمر بذبح ابنه بيده! 

إي- وربي- إنّ هذا لهو البلاء المبين! 


٧- إعلانه الحمد لربه جل وعلا ، ودعائه لذريته. 

ومحبة الخير للمؤمنين، واستغفاره لهم. قال الله تعالى عنه في دعائه صلى الله عليه وسلم: { ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی وَهَبَ لِی عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَۚ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ • رَبِّ ٱجۡعَلۡنِی مُقِیمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّیَّتِیۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَاۤءِ • رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِی وَلِوَ ٰ⁠لِدَیَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ یَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡحِسَابُ }.

اللهم صل وسلم عليه.. 

… 

 إسماعيل/ عليه السلام. 

 ١-امتثاله لأمر الله في ذبحه.. وبره بأبيه وطاعته له في ذلك.كما قال تعالى;{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡیَ قَالَ یَـٰبُنَیَّ إِنِّیۤ أَرَىٰ فِی ٱلۡمَنَامِ أَنِّیۤ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ یَـٰۤأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِینَ }.

فأعان أباه على  القيام بأمره الله له من ذبحه، فعندما استشاره في ذلك، {قَالَ یَـٰۤأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِینَ}.

 وصبر إسماعيل عليه السلام على أمر عظيم لم يقع لأحد قبله ولا بعده.. ثم نجّاه الله من ذلك.

٢- الوفاء وصدق الوعد، وعنايته بالصلاة وأمر أهله بها، كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: {وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ إِسۡمَـٰعِیلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولࣰا نَّبِیࣰّا • وَكَانَ یَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِیࣰّا }.

فلما صدق إسماعيل الوعد، ووفىّ ما أمره الله به، نال مقاماً عالياً  قال الله عز وجل: {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِیࣰّا}.

… 

يعقوب/عليه السلام. 

 صبره عند مصيبته بفقد يوسف.. وتسليمه لأمر الله.. 

وقعت له المصيبة بفقد ابنه يوسف، حين حسده أخوته، وألقوه في غيابة الجب، وزعموا أن الذئب أكله.. كما أخبر الله عنهم.. 

فكيف قابل يعقوب عليه السلام هذا الموقف العصيب.. ؟

{ قَالُوا۟ یَـٰۤأَبَانَاۤ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا یُوسُفَ عِندَ مَتَـٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَاۤ أَنتَ بِمُؤۡمِنࣲ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَـٰدِقِینَ • وَجَاۤءُو عَلَىٰ قَمِیصِهِۦ بِدَمࣲ كَذِبࣲۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرࣰاۖ فَصَبۡرࣱ جَمِیلࣱۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ  }

إنه الصبر الجميل.! 

والصبر الجميل هو الصبر بلا شكوى..،وتفويض الأمر لله. 

والموقف الآخر عندما افتقد ابنه الثاني…فهاج شوقه ليوسف وثار الحزن الدفين، ولكن لم يخرجه عظٍم البلاء عن دائرة الصبر والرضا  كما أخبر الله عنه بقوله: { وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ یَـٰۤأَسَفَىٰ عَلَىٰ یُوسُفَ وَٱبۡیَضَّتۡ عَیۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِیمࣱ • قَالُوا۟ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُا۟ تَذۡكُرُ یُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَـٰلِكِینَ • قَالَ إِنَّمَاۤ أَشۡكُوا۟ بَثِّی وَحُزۡنِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ }. 

إنه الصبر الذي تعجز عنه أفئدة كثير من الرجال، ولكن يعقوب عليه السلام لم يبرح دائرة الاحتساب، وظل لسنين عديدة يرفع شكواه  بصبر ويقين إلى من بيده تدبير الأمور جل وعلا.. 


٣- ومن حسن خلق يوسف عليه السلام أنه عندما أمر الملك  بخروجه من السجن، طلب براءته، بسؤال النسوة اللاتي اطلعن على قضيته مع امرأة العزيز التي كانت السبب في سجنه، ولم يشهّر بها، وإنما عرّض بها مع جملة النسوة كما قال الله تعالى:{ وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّـٰتِی قَطَّعۡنَ أَیۡدِیَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّی بِكَیۡدِهِنَّ عَلِیمࣱ} 

فشهدن أمام الملك ببراءته،يقول  الله تعالى في ذلك:{ قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَ ٰ⁠وَدتُّنَّ یُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ قُلۡنَ حَـٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَیۡهِ مِن سُوۤءࣲۚ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡـَٔـٰنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَ ٰ⁠وَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ • ذَ ٰ⁠لِكَ لِیَعۡلَمَ أَنِّی لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَیۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی كَیۡدَ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ }.


٤- ومن طيب معشره ونبل أخلاقه أنه عند اجتماعه بإخوته لم يشأ أن يذكّرهم بسوء فعلهم معه، ولم يعاتبهم وإنما صفح عنهم كما أخبر

 الله عنه في قوله: {قَالَ لَا تَثۡرِیبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡیَوۡمَۖ یَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰ⁠حِمِینَ }.

فاذهب عنهم وحشة الجريمة..

 بل زادهم تكرمًا فجعل لنفسه نصيبًا من الخطأ فكأنه شريك لهم فيما حصل،{وَقَالَ یَـٰۤأَبَتِ هَـٰذَا تَأۡوِیلُ رُءۡیَـٰیَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّی حَقࣰّاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِیۤ إِذۡ أَخۡرَجَنِی مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَاۤءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ..} فجعل لهم العذر أمام أبيهم فقال:{مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤۚ} وذلك لكيلا يعكّر صفو لقاء أبويه وفرحهما به.. بعد  الغياب الطويل، والفراق الذي لقي فيه أبوه من الحزن ما أشرف فيه على الهلاك..

… 

موسى/ عليه السلام. 

تفضل الله تعالى على نبيه وكليمه موسى عليه السلام بأخلاق عالية وصفات حميدة.. 

منها: 

١- النجدة المبادرة بفعل المعروف،

ومن ذلك:نصرته للمظلوم من قومه على عدوه. والقوة، قال الله تعالى عنه: {وَدَخَلَ ٱلۡمَدِینَةَ عَلَىٰ حِینِ غَفۡلَةࣲ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیۡنِ یَقۡتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِیعَتِهِۦ وَهَـٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِی مِن شِیعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِی مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَیۡهِۖ..}.

٢- استغفاره ربه عند قتل القبطي، وندمه على مابدر منه { قَالَ هَـٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوࣱّ مُّضِلࣱّ مُّبِینࣱ • قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ •قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِیرࣰا لِّلۡمُجۡرِمِینَ }.


٣-مساعدة الضعيف، وتكرمه على المرأتين بالسقي لهما، قال الله تعالى عنه عليه السلام: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ • فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰۤ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّی لِمَاۤ أَنزَلۡتَ إِلَیَّ مِنۡ خَیۡرࣲ فَقِیرࣱ  }.


 ٤-إحسانه لأخيه هارون عليهما السلام، وطلبه من الله النبوة له..     {وَٱجۡعَل لِّی وَزِیرࣰا مِّنۡ أَهۡلِی •هَـٰرُونَ أَخِی • ٱشۡدُدۡ بِهِۦۤ أَزۡرِی •وَأَشۡرِكۡهُ فِیۤ أَمۡرِی • كَیۡ نُسَبِّحَكَ كَثِیرࣰا •وَنَذۡكُرَكَ كَثِیرًا • إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِیرࣰا • قَالَ قَدۡ أُوتِیتَ سُؤۡلَكَ یَـٰمُوسَىٰ }.

٥- ثباته على الحق أمام طغيان فرعون وجبروته: فيما أخبر الله عنه في قوله سبحانه:{ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ إِذۡ جَاۤءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّی لَأَظُنُّكَ یَـٰمُوسَىٰ مَسۡحُورࣰا • قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَاۤ أَنزَلَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَاۤىِٕرَ وَإِنِّی لَأَظُنُّكَ یَـٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورࣰا }.


٦- الغيرة على التوحيد عند طلب بني إسرائيل أن يجعل لهم إلهاً غير الله، قال تعالى:{ وَجَـٰوَزۡنَا بِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡا۟ عَلَىٰ قَوۡمࣲ یَعۡكُفُونَ عَلَىٰۤ أَصۡنَامࣲ لَّهُمۡۚ قَالُوا۟ یَـٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَاۤ إِلَـٰهࣰا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةࣱۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمࣱ تَجۡهَلُونَ • إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ مُتَبَّرࣱ مَّا هُمۡ فِیهِ وَبَـٰطِلࣱ مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ • قَالَ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِیكُمۡ إِلَـٰهࣰا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ }.

٧- غضبه عليه السلام عند عبادة قومه العجل، قال الله عز وجل:      {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِی مِنۢ بَعۡدِیۤۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُۥۤ إِلَیۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِی وَكَادُوا۟ یَقۡتُلُونَنِی فَلَا تُشۡمِتۡ بِیَ ٱلۡأَعۡدَاۤءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِی مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ }.


٨- حياؤه عليه السلام. قال الله عنه: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ ءَاذَوۡا۟ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُوا۟ۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِیهࣰا }.

الوجيه: رفيع القدر  والمنزلة. 

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًا ستِّيرًا، لَا يَكَادُ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيء اسْتِحْيَاءً مِنْهُ".مسند أحمد والحديث في الصحيحين بأوسع مماهنا.


هود/ عليه السلام

١-صدق يقينه في الله.. وقوته في محاجة قومه، وإعلانه البراءة من الشرك، قال الله تعالى: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ • یَـٰقَوۡمِ لَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِی فَطَرَنِیۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ • وَیَـٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡا۟ مُجۡرِمِینَ • قَالُوا۟ یَـٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَیِّنَةࣲ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِیۤ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِینَ • إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوۤءࣲۗ قَالَ إِنِّیۤ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوۤا۟ أَنِّی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ • مِن دُونِهِۦۖ فَكِیدُونِی جَمِیعࣰا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ •إِنِّی تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّی وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَاۤبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِیَتِهَاۤۚ إِنَّ رَبِّی عَلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ }.

٢- شفقته عليه السلام بقومه وحسن وعظه ونصحه لهم، قال الله. تعالى: { إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ • إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ • فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ • وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ • أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِیعٍ ءَایَةࣰ تَعۡبَثُونَ • وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ • وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِینَ • فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ • وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِیۤ أَمَدَّكُم بِمَا تَعۡلَمُونَ • أَمَدَّكُم بِأَنۡعَـٰمࣲ وَبَنِینَ • وَجَنَّـٰتࣲ وَعُیُونٍ • إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ • قَالُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡنَاۤ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَ ٰ⁠عِظِینَ }




الأربعاء، 2 أبريل 2025

الفائزون

            الفائزون..!

من فضل الله وعظيم كرمه على عباده المؤمنين أن عرّفهم الأسباب التي يتحقق لهم بها الفوز  برضوانه ودار كرامته، وبيّنها لهم ودعاهم إليها، وجاءت في مواضع من كتابه،    

 - منها قوله تعالى: {وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَخۡشَ ٱللَّهَ وَیَتَّقۡهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ}.

فالفائزون هم:  من تحققت منهم طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وخشية الله عز وجل وتقواه.. 


- ومنها قوله تعالى: { أَلَاۤ إِنَّ أَوۡلِیَاۤءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ • ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ یَتَّقُونَ • لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ لَا تَبۡدِیلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ}

والسبب الجالب للفوز العظيم يسير على من يسره الله له وهداه إليه، إنه الإيمان والتقوى. 


- ومنها قوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِیرُ }.

فأعاد ذكر الإيمان هنا كما بينه أولاً بأنه تقواه وخشيته ، وأضاف إليه عمل الصالحات..

فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح تحقق له الفوز الكبير!

ففي هذه الآيات ذكرى وبشرى. للمتقين.. يقول الله سبحانه : 

{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا • یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا }.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا جميعاً منهم، ياذا الجلال والإكرام. 

—--

١٤٤٦/١٠/٥


الاثنين، 31 مارس 2025

إعذار وإنذار

            إعذار وإنذار

  - قال الله تعالى:{ أَوَلَمۡ یَهۡدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَاۤ أَن لَّوۡ نَشَاۤءُ أَصَبۡنَـٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَسۡمَعُونَ} [سورة الأَعۡرَافِ: ١٠٠]

- وقال عز وجل: { أَفَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلنُّهَىٰ }. [سورة طه: ١٢٨]

-وقال سبحانه: { أَوَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتٍۚ أَفَلَا یَسۡمَعُونَ }[سُورَةُ السَّجۡدَةِ: ٢٦]


    

  معنى قول الله تعالى: 

{ أَوَلَمۡ یَهۡدِ} أي:  ألم يتبيّن لهم. 

١- قال الطبري رحمه الله: 

" قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "الهُدى"، البيان الذي بُعث هاديًا لهم، مبيِّنًا لهم حتى يعرفوا. لولا البيان لم يعرفُوا.".

( جامع البيان: ١٠،٩/٩ -.ط ، الحلبي ) 


٢- وقال ابن كثير رحمه الله:

 " قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا﴾ أَوَ لَمْ نُبَيًن، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ". 

(تفسير القرآن العظيم: ٤٤٧/٣ - ط،الشعب) 


٣- قال ابن عطية رحمه الله: 

"{أَوَلَمْ يَهْدِ}"أي: يُبَيِّنُ ويُوَضِّحُ،  قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ زَيْدٍ: و"يَهْدِي" مَعْناهُ: يَتَبَيَّنُ.

 وهَذِه آيَةُ وعِيدٍ،

 أيْ: ألَمْ يَظْهَرْ لِوارِثِي الأرْضِ بَعْدَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم وما حَلَّ بِهِمْ أنّا نَقْدِرُ لَوْ شِئْنا أنْ نُصِيبَهم إصابَةَ إهْلاكٍ بِسَبَبِ مَعاصِيهِمْ كَما فُعِلَ بِمَن تَقَدَّمَ".

( المحرر الوجيز:٣٣٨/٣ -ط. قطر )


فمن رحمة الله تعالى بعباده أن بيّن لهم حقه عليهم، ودعاهم إليه، ويسر لهم سبيله، ووعدهم رضاه وجنته. 

وحذرهم مع ذلك الإعراض عنه، وتوعدهم بعقوبته وعذابه.. 

وبيّن لهم الآيات وقص عليهم الأمثال ليعتبروا بما حل بالسابقين.

فهذا إعذار وإنذار تكرر في ثلاثة مواضع من القرآن..

 فهل بقيت للعصاة والمكذبين من حجة أو علة يتعللون بها .!؟


فائدة عن أداة الجزم: ( لم) .  

لم، أداة تجزم الفعل المضارع، فإذا سبقتها همزة الاستفهام، وقد تصاحبها الواو كما هنا، قلبته إلى ماضٍ، وصار المراد، التقرير والتوبيخ، والإنكار. 

 وقد يرد هذا كثيراً فمنه قوله تعالى: {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً..}، وقوله تعالى: {أو لم نعمركم مايتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير.. } .

----

٢/ شوال/١٤٤٦

الأحد، 23 مارس 2025

فمن أظلم ممن كذّب بآيات الله وصدف عنها

  {فمن أظلم ممن كذّب بآيات الله وصدف عنها} . 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. 

الحمد لله الذي بيّن معالم الهدى، وأوضح  سبيل الرشد ، وأبدى  في البيان وأعاد، وكرر ذلك في مواضع عديدة من كتابه رحمةً بالعباد، فمن ذلك قوله سبحانه:{ قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَـٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَأۡتِیكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ ثُمَّ هُمۡ یَصۡدِفُونَ} (الآية٤٦ من سورة الأنعام) 

ثم قال تعالى في آخر السورة:{..فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَیِّنَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِی ٱلَّذِینَ یَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡدِفُونَ (١٥٧)}.

وهذه الآية الكريمة جاءت بعد الآية التي أمر الله فيها باتباع صراطه المستقيم..، وما بعدها من الآيات، في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَ ٰ⁠طِی مُسۡتَقِیمࣰا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِیلِهِۦۚ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ وَصَّاكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ • ثُمَّ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِیلࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لَّعَلَّهُم بِلِقَاۤءِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ • وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ مُبَارَكࣱ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ • أَن تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أُنزِلَ ٱلۡكِتَـٰبُ عَلَىٰ طَاۤئِفَتَیۡنِ مِن قَبۡلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمۡ لَغَـٰفِلِینَ • أَوۡ تَقُولُوا۟ لَوۡ أَنَّاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا ٱلۡكِتَـٰبُ لَكُنَّاۤ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَیِّنَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِی ٱلَّذِینَ یَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡدِفُونَ }

قال  ابن كثير رحمه الله:" أي: ثم هم مع هذا البيان يَصْدِفُونَ، أي: يُعرضون عن الحقِّ، ويصدّون الناسَ عن اتِّباعه". (١)

فالتكذيب بآيات الله عز وجل والصد عنها جريمة منكرة يستوجب فاعلها أشد العقاب. 

لذلك يجب الحذر من وسائل وطرق الصد عن دين الله، والبعد عنها، سواءً ما كان منها في تزيين الباطل، أو في التحذير من الحق أو تنفير الناس منه، أو تهديد أتباعه،  يقول الله تعالى مبيناً عِظم ذلك وسوء عاقبته: {فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِی ٱلَّذِینَ یَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡدِفُونَ }، أي:  لا أحد أشد ظلماً وجرماً ممن جمع بين التكذيب بآيات الله تعالى والصد عنها، فهذا الصنف من الناس."مَائِلُونَ مُعْرِضُونَ عَنِ الحجج والدلالات".(٢) استكبارا وعناداً منهم. وهم مع ذلك الإعراض يصدون الناس عن آيات الله ويضلونهم، فجمعوا بين الضلال في أنفسهم  وإضلال غيرهم. قال عنهم الله سبحانه وتعالى:{سَنَجۡزِی ٱلَّذِینَ یَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡدِفُونَ}أي: سنجزي هؤلاء المكذبين المضلين سوء العذاب في الدنيا بالذلة والخزي، وفي الآخرة بالعذاب الشديد  بسبب إعراضهم و صدهم و تكذيبهم بآيات الله.. 

قال ابن عطية رحمه الله: "ولما تقرر أن البينة قد جاءت والحجة قد قامت حسُن بعد ذلك أن يقع التقرير بقوله فمن أشد ظلماً ممن كذّب بهذه الآيات البينات، {وصدف} معناه:  حاد وزاغ وأعرض".(٣)

فكلمة (صدفَ): أي أعرض إعراضاً شديدًا .

وإنّ من معاني (الصدف) في اللغة، الجبل، فكما أن الجبل منيع شديد الصلابة فكذلك حال هؤلاء في الإعراض والصد عن سبيل الله.

وهذا دأبهم على مر الأزمان وتعاقب الأمم، فتأمل هذه الآيات وما قصه الله علينا فيها من أنواع الصد عن دين الله، وتنفير الناس عنه، قال تعالى:{ وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَیۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَاۤءُو ظُلۡمࣰا وَزُورࣰا • وَقَالُوۤا۟ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِیَ تُمۡلَىٰ عَلَیۡهِ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا • قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِی یَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا • وَقَالُوا۟ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ یَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشِی فِی ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَلَكࣱ فَیَكُونَ مَعَهُۥ نَذِیرًا • أَوۡ یُلۡقَىٰۤ إِلَیۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةࣱ یَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلࣰا مَّسۡحُورًا  }.

فزعموا أن الوحي المنزّل على النبي صلى الله عليه وسلم كذب وافتراء، حصل بمعاونة غيره. 

و إمعانا في العناد قالوا بأنه أساطير وأقاويل ، ثم تطاولوا وعابوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمشي في الأسواق لطلب الرزق. ثم اقترحوا أن يكون معه ملك يصدق قوله، أو أن يكون  له كنز من مال ..وآخر ما افتروه اتهامه بأنه ساحر..!

فكلما أبرموا أمراً نقضوه لعلمهم أنه باطل.! قال الله تعالى: {وماكيد الكافرين إلا في ضلال}.

وكلما تعلقوا بحبل من مكائدهم انقطع بهم في ظلمات الكفر. 

ومن مواقفهم في الصد عن الحق.. ما أخبر الله عنهم في قوله عز وجل: { وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَسۡمَعُوا۟ لِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ }.

فكم هي صور عنادهم وتكذيبهم، والإعراض عن الحق، ورميه بالأباطيل وإضلال الناس عنه. 

فمن ذلك أيضاً ماجاء عنهم في قول الله سبحانه: { وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا بَیِّنَـٰتࣲ قَالُوا۟ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا رَجُلࣱ یُرِیدُ أَن یَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَقَالُوا۟ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ إِفۡكࣱ مُّفۡتَرࣰىۚ وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُمۡ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ }..

ومن الوعيد على مواقفهم في الصد عن سبيل الله  يقول تعالى:{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَاۤۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُنتَقِمُونَ}، ويقول سبحانه:

{إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ وَشَاۤقُّوا۟ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔا وَسَیُحۡبِطُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ}.

فانقطعت الأعذار، وحق عليهم العذاب، قال الله تعالى:{ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَاۤۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُنتَقِمُونَ}، وقال سبحانه:{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِی هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلࣲ فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا }. وقال عز وجل: {وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُۥۤۚ أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوࣰى لِّلۡكَـٰفِرِینَ}.

ثم استثني الله أولياءه من ذلك ونوّه بهم، ووعدهم الهدى ومعيته لهم فقال سبحانه: {وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ}.

اللهم اهدنا للحق، وسددنا وثبتنا عليه، فأنت ولي ذلك والقادر عليه.. 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله. 

٢٤/ رمضان/١٤٤٦

___________________

١- تفسير القرآن العظيم: ٤٠/٦

٢- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٤٢٨/٦

٣- المحرر الوجيز: ١٧٧/٤


السبت، 15 مارس 2025

إنّ ربكم لرءوف رحيم

           إنّ ربكم لرءوف رحيم

يقول الله سبحانه { یَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَیۡرࣲ مُّحۡضَرࣰا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوۤءࣲ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَهُۥۤ أَمَدَۢا بَعِیدࣰاۗ وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ}. 

في هذه الآية الإخبار عن إحصاء الأعمال والمجازاة عليها. 

ومعاينة الجزاء حيث يوفّى صاحب العمل الصالح ثوابه. ويلقى عامل السوء جزاءه. 

وتحذير الله تعالى عباده يحمل في طياته الرأفة والرحمة تطميناً وتأنيساً لهم. 

ففي التذكير بالرأفة دعوة للتعرض لها، وتشويق النفوس لسلوك الطريق الموصل إليها. 

 ويقول الله عز وجل : {أَفَأَمِنَ ٱلَّذِینَ مَكَرُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ یَأۡتِیَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَیۡثُ لَا یَشۡعُرُونَ • أَوۡ یَأۡخُذَهُمۡ فِی تَقَلُّبِهِمۡ فَمَا هُم بِمُعۡجِزِینَ • أَوۡ یَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفࣲ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمٌ }.

فكذلك هاهنا بعد تهديد العصاة وتخويفهم نزول العذاب زجرهم الله تعالى عما هم فيه من التكذيب، وفتح لهم باب النجاة والرجاء فجمع لهم الرأفة والرحمة. 

قال تعالى عن خيرته من هذه الأمة ممتناً توبته عليهم وأنه بهم رءوف رحيم:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

والرأفة أعلى منازل الرحمة.

فوصف تعالى نفسه بذلك في غير ما آية فقال سبحانه: { إنّ ربكم لرءوف رحيم}.وقال:{ والله رءوف بالعباد}.

وقال عز وجل في التذكير ببعض نعمه داعياً إلى التفكر والاعتبار: { أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَیُمۡسِكُ ٱلسَّمَاۤءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ }. فهنا يذكّر تعالى بآثار رحمته لتقوية بواعث الرغبة والرهبة في قلوب عباده.  

 وذلك كثير في آيات القرآن مما فيه الجمع بين الوعد والوعيد والخوف والرجاء كقوله سبحانه وتعالى:         { نَبِّئۡ عِبَادِیۤ أَنِّیۤ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ • وَأَنَّ عَذَابِی هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِیمُ }. وقوله تعالى:{مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَاۤءَ بِٱلسَّیِّئَةِ فَلَا یُجۡزَىٰۤ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ }،

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن ربكم رحيم، من همّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كُتب له عشراً  إِلى سبعمائة ضعف إِلى أضعاف كثيرةٍ، ومن همّ بسيئة فلم يعملها  كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت واحدة، أَو يمحوها. ولا يهلك على الله إلا هالك". ( أحمد والدارمي) 

فالتذكير  برحمة الله ورأفته بعباده يبعث الطمأنينة في القلوب فيزداد شوقها لتقوى الله وطاعته، وليجدد  فيها الإخلاص والرضا، ويقوي الرجاء  والحياء منه تعالى. 

ولتقابل منّة الله عليهم بالمغفرة والرحمة بتقواه ودوام شكره وحمده تعالى. 

—--

١٤/ رمضان/١٤٤٦


الأحد، 9 مارس 2025

ما أصاب من مصيبة..

        

ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله..

        

من الذي لم تصبه الضراء..؟

من ذا الذي سلِم من الابتلاء.. ؟!

 ...

- آدم عليه السلام عاش في الجنة، فهل دام له ذلك..؟

أُخرِج منها إلى دار التعب والفناء.. 

-وخليل الرحمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ألقاه في النار قومه وأبوه معهم..!! 

ثم أُمر بذبح فلذة كبده..!

-ويعقوب عليه السلام فقد ابنه يوسف زمنا طويلاً ..ولم يكن ذلك لمرض ولا أسر أو قتل في حرب، كلا!  إنما إخوته من فعل ذلك.. 

-وأصاب أيوب عليه السلام من الضر مالا يُحتمل..

-ويونس عليه السلام التقمه الحوت وعبر به ظلمات البحار.. 

-ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق ناله من الأذى  والتكذيب أمراً عظيماً، وعزم قومه على قتله، فخرِج من بلده مطارداً..

كل هؤلاء الأخيار وغيرهم كثير عانوا من الضر والشدائد ما يعجز عنه الواصف.. 

فصبروا على ما أصابهم، وشكروا ربهم على ما آتاهم من الأجر والفضل. فهو القائل سبحانه: {وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰ⁠لِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ • ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰ⁠جِعُونَ • أُو۟لَـٰۤئكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰ⁠تࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤئكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ }

 أيها المبتلى! 

تدبّر قول الله تعالى: {مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ}.

فتذكر من أصابهم البلاء قبلك و تأسّى بهم ، واصبر، ولا تجزع. 

فكل شدة ستنجلي، وكل همٍّ سيزول ، وسيكشف الله كل كربة. 

واعلم أنه إذا سلِم لك دينك فكل بلاءٍ بعده يهون.

فادع الله دعاء راجٍ واثق باستجابة الله، فما خاب من دعاه.        

١٤٤٦/٥/١٦


الأربعاء، 5 مارس 2025

عيسى ويحيى عليهما السلام

      عيسى ويحيى عليهما السلام. 

الحمد والصلاة والسلام على رسول الله.. 

وبعد. 

فقصة مولد يحيى عليه السلام. كالمقدمة لقصة مولد عيسى ابن مريم عليه السلام. 

عندما دعا زكريا عليه السلام ربه أن يهب له ولداً فاستجاب الله دعاءه ، مع كبر سنه ويأس امرأته.. كما أخبر تعالى عنه في سورة مريم: 

{قَالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّی وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَیۡبࣰا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَاۤىِٕكَ رَبِّ شَقِیࣰّا • وَإِنِّی خِفۡتُ ٱلۡمَوَ ٰ⁠لِیَ مِن وَرَاۤءِی وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا فَهَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا • یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنۡ ءَالِ یَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِیࣰّا • یَـٰزَكَرِیَّاۤ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسۡمُهُۥ یَحۡیَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِیࣰّا }

فعجب لذلك زكريا مع كونه في حال يندر أن يكون له ولد ، { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِیࣰّا }

فكان الجواب تذكيرًا بقدرة الله على كل شيء { قَالَ كَذَ ٰ⁠لِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَیۡـࣰٔا } 

فأنعم الله على زكريا عليه السلام بيحيى وجعله نبياً.

ثم عقّب عز وجل بعد ذلك بذكر ما هو أعجب من ذلك ألا وهو قصة مريم وولادة عيسى عليه السلام من أم بلا أب. فقال سبحانه:

{وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡیَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانࣰا شَرۡقِیࣰّا • فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابࣰا فَأَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرࣰا سَوِیࣰّا • قَالَتۡ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِیࣰّا • قَالَ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمࣰا زَكِیࣰّا • قَالَتۡ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱ وَلَمۡ أَكُ بَغِیࣰّا }

فاستغربت مريم  وجود ولد منها مع عفافها وهي ليست بذات زوج، فكان الجواب{ قَالَ كَذَ ٰ⁠لِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا }

ففي صدر السورة كان حديث الآيات عن إيجاد يحيى من أبٍ قد وهن العظم منه وبلغ من الكبر عتياً، ومن أمٍ عاقر، وفي ذلك دليل على قدرة الله تعالى ، وكأن في ذلك توطئةً لآية أكبر وأعظم منها، ألا وهي وجود ولد من أم بغير أب، فكان عيسى عليه السلام نبياً ورسولاً .

وكان هذا من التدرج في التدليل على القدرة بالعجيب إلى الأعجب منه،  وبالعظيم من الآيات إلى الأعظم منه، ليعلم المؤمن علم اليقين أنّ الله قادر على كل شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال سبحانه: { إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَیۡءٍ إِذَاۤ أَرَدۡنَـٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ }.

 وهو أيضاً من الترقي في الاستدلال من الأدنى إلى الأعلى.. 

ومن العجائب أيضاً في هذه القصة أنّ أحداثها جرت في زمن واحد ، وأن يحيى وعيسى ابنا الخالة. وشهد أحداثها طائفة من بني إسرائيل. وأرسل إليهم يحيى وعيسى عليهما السلام.. 

وقد ذكر الله هذه القصة العجيبة أيضا في سياق واحد في سورة آل عمران فقال تعالى: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِیَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّةࣰ طَیِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ • فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ • قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَقَدۡ بَلَغَنِیَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣱۖ قَالَ كَذَ ٰ⁠لِكَ ٱللَّهُ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ • قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّیۤ ءَایَةࣰۖ قَالَ ءَایَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَیَّامٍ إِلَّا رَمۡزࣰاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِیرࣰا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ • وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَاۤءِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ •  یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِی وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ ٰ⁠كِعِینَ • ذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَیُّهُمۡ یَكۡفُلُ مَرۡیَمَ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ •  إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةࣲ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَجِیهࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ • وَیُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ • قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی وَلَدࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱۖ قَالَ كَذَ ٰ⁠لِكِ ٱللَّهُ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ }.

فإن رأي الناس في خلْقِ عيسى من أم بلا أب عجباً فإن أعجب منه  خلق آدم عليه السلام من تراب، قال الله عز وجل: { إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ } فخلقُ عيسى من أم في القدرة عند الله كخلق آدم من تراب كله هين، قال تعالى: { أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ كَیۡفَ یُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۤۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ } وقال سبحانه:{ لَخَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ }.

•  ففي ذلك من دلائل قدرة الله تعالى وعظيم فضله على خلقه ما يدعوهم إلى تقواه وطاعته. 

• وفيه  تذكير بعناية الله بأنبيائه ورسله وعباده الصالحين حين استجاب دعاء نبيه زكريا عليه السلام ورزَقه الولد عند ضعفه وكبر سنه. 

 • وما حصل لمريم في صغرها من لطف الله وإكرامه لها، ثم خلق منها نبيه ورسوله عيسى عليه السلام، وما حصل لها من الكرامات في ذلك.. 

 والله أعلم ..

هذا ما فهمته من سياق الآيات وارتباط القصتين والتشابه بينهما. 

 اللهم ما كان حقاً فمنك وبك، ولك الحمد، وما كان خطأً فإني أستغفرك وأتوب إليك.

—-

٤/ رمضان/١٤٤٦




 من أخلاق الأنبياء عليهم السلام في القرآن.                  *** الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم خيرة الله من عباده.   اصطفاهم لرسالته، ودعو...