• المحافظة على الصلاة عموماً.
أمر الله المؤمنين بالمحافظة على " الصلاة في حال الأمن والخوف والقتال فقال تعالى: { حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِینَ }.
ثم قال بعدها: {فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانࣰاۖ فَإِذَاۤ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُوا۟ تَعۡلَمُونَ}
فعلام يدل هذا؟
أليس على تعظيم شأن الصلاة والعناية بها، والمحافظة عليها في أشد المواقف والأحوال، في ساحة القتال، والخوف والمطر.. قال الله تعالى:{فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا }
فقد ذكر الله شأن الصلاة، وأمر بإقامتها في كثير من آيات القرآن الكريم فمن ذلك قوله سبحانه: { وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُوا۟ مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ }.
وكذلك ما ورد في الأحاديث النبوية الصحيحة من الأمر بها وبيان فضلها، وما لها من الأركان والواجبات والشروط، مما هو مذكور في الآيات، وكُتب الحديث والفقه.
فأمر الله جل وعلا عباده المؤمنين بالمحافظة على الصلوات الخمس، وخص منها الصلاة الوسطى فقال سبحانه:{ حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِینَ }.
معنى الآية :
- قال ابن جرير الطبري رحمه الله: في تفسيره، أي: "واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهن، وتعاهدوهن والزَمُوهن، وعلى الصلاة الوسطى منهنّ".
جامع البيان[٥٥٤/٢]
- وقال البغوي رحمه الله:" أي: واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها، وحدودها، وإتمام أركانها، ثم خص من بينها الصلاة الوسطى بالمحافظة عليها، دلالة على فضلها، وهي صلاة العصر". (معالم التنزيل: ١ / ٣٢٩ )
• تعيين الصلاة الوسطى.
اُختلِف في تعيينها على أقوال، فقيل أنها الصبح، وقيل أنها العصر ، وهو الصحيح. وقيل غير ذلك.
قال ابن كثير رحمه الله: " قد ثبتت السنة بأنها العصر، فتعيّن المصير إليها". [تفسير القرآن العظيم: ٤٠٤/٢].
فعن علي رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ:" شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا". [صحيح. مسلم: ٦٢٧].
وعنه أيضاً أنه قال: كنا نراها صلاة الفجر أو الصبح، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب :" شغلونا عن. الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم، و أجوافهم - أو بيوتهم- ناراً ".[صحيح مسلم: ٤٥٣٣]
وذكر ابن جرير الطبري عن علي وابن عباس وأبي هريرة وعائشة أنهم قالوا : إنها صلاة العصر. [ جامع البيان: ٢ /٥٥٤-٥٥٦ ]
وقال البغوي: "ذهب الأكثرون إلى أنها العصر، رواه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول علي وعبد الله بن مسعود وأبي أيوب، وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم". [معالم التنزيل: ٣٣٠/١]
وقال ابن كثير: "قيل إنها العصر قال الترمذي والبغوي رحمهما الله، وهو قول أكثر الصحابة، وغيرهم، قال ابن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر، وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: وهو قول جمهور الناس. وهو مذهب أحمد بن حنبل والشافعي ، قال ابن المنذر وهو الصحيح عن أبي حنيفة".[ تفسير القرآن العظيم: ٢ / ٣٩٥ ]
• لماذا خصت صلاة العصر بالأمر بالمحافظة عليها مع كونها من جملة الصلوات الخمس ..
لا شك أن ذلك لما يحصل من التفريط في هذه الصلاة وتأخيرها حتى يخرج وقتها يدل على أنه كثيراً مايحصل ذلك ممن يغلب عليه الكسل والجهل والنفاق.
قال النووي :" وإنما خصها بالذكر لأنها تأتي وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم".[ شرح صحيح مسلم: ١٢٦/٥ ]
فمن حصل منه التهاون بهذه الصلاة عامداً، وآثر دنياه ورغباته على دينه فذلك أعظم الخسران، قال تعالى: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤئكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ }.
وجاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ". [البخاري: ٥٥٢/ ومسلم: ٦٢٦]
"قال الخطابي : معنى"وتِر " أي نقص،أو سلب، فبقي وتِراً فرداً بلا أهل ولا مال، يريد فليكن حذَرُه من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله" . [ معالم السنن: ٢٤٢/١]
وقال ابن بطال:"معنى وُتِر أهله وماله: أي سُلِب ذلك وحُرِمه، فهو أشد لغمه وحزنه، لأنه لو مات أهله وذهب ماله بغير سلب لم تكن مصيبة ذلك عنده بمنزلة السلب، لأنه اجتمع عليه في ذاك غمان: غم ذهابهم، وغم الطلب بوترهم".[ شرح صحيح البخاري: ١٧٦/٢ ]
ومما ورد من الزجر الشديد عن تأخيرها بلا عذر حديث بريدة رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ". [ البخاري: ٥٥٣]..
وحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً". [ مسلم:٦٢٢، وأبو داود: ٤١٣]
فيجب على المسلم المحافظة على صلاته، ومنها صلاة العصر على وجه الخصوص، لكون وقتها يأتي بعد الفراغ من الشغل، فيؤثر بعض الناس راحة جسده على أداء فرضه، فيحرم نفسه ثواب الصلاة والمبادرة إليها، ويعرّض نفسه للوعيد بتأخيرها واضاعتها في مثل قول الله سبحانه: {فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ • ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ}، ويُخشى على فاعل ذلك أن يكون من المنافقين الذين وصفهم الله بقوله: {وَإِذَا قَامُوۤا۟ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُوا۟ كُسَالَىٰ یُرَاۤءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِیلࣰا }.
ولنتذكر في الختام دعاء أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيما أخبر الله عنه في قوله:{ رَبِّ ٱجۡعَلۡنِی مُقِیمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّیَّتِیۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَاۤءِ}، وقوله عزوجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم{وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَیۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقࣰاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ }.
أسأل الله أن يعيننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عباده.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.
—-
١٤٤٦/١٢/٢١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق