الخميس، 1 مارس 2012

عاقبة الظلم


                         عاقبة الظلم      

لاشك أن الظلم مرتعٌ وخيم , ومورد ٌللعذاب الأليم , يتنـزّه عنه كل تقي وذي لب حكيم .
لقد نزّه الله تعالى نفسه عن الظلم لكمال قدرته وعدله, فقال عز وجل:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}, وقال في الحديث القدسي:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي, وجعلته بينكم محرماً, فلا تظالموا ". (مسلم)
والظلم ثلاثة أقسام, فأولها: الشرك بالله, والثاني: ظلم العبد نفسه, والثالث : ظلم العباد فيما بينهم .
فأعظم الظلم: صرف العبادة إلى من لا يستحقها, ألا وهو الشرك بالله , الذي أوجب الله لصاحبه العذاب الأليم  والخلود في الجحيم , فقال تعالى:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }.
وقال سبحانه على لسان لقمان في وعظه لابنه:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
فأقبح الظلم الشرك بالله, إذ كيف يُسوَّى بين الخلاق العليم, وبين المخلوق من الطين, أو الصنم اللعين ؟؟!
وقد أخبر الله عن ملامة المشركين لأنفسهم يوم الدين,حين تبرءوا من آلهتهم الباطلة التي أشركوها مع الله , فقال عنهم سبحانه:{ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}, ولا تدفع عنهم تلك الملامة عذاب الله , ولا تجدي لهم نفعاً إلا مزيداً من الحسرة والندامة .
فاتق الله أيها المسلم واحذر الشرك فقد علمت عاقبته فإن الله عز وجل  يقول {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ }.
ومن الظلم: الكذب على الله, والصد عن دينه, يقول تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ , الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }.
ولكن فضل الله تعالى ورحمته أن جعل لعباده من الظلم مخرجاً, ألا وهو التوبة النصوح, وذلك بتوحيد الله والإخلاص له سبحانه, يقول الله عز وجل: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }.
والقسم الثاني: ظلم العبد نفسه , وذلك بتركه ما أمره الله به , وارتكاب ما نهى الله عنه , فإن العبد يعرِّض نفسه بذلك لما لا طاقة له به من العذاب , ويحرمها الأجر الموعود به على الطاعة من حسن الثواب. يقول الله سبحانه:{ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }. ويقول تعالى{ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }. ويقول عز وجل:{ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ }, فمخالفة أمر الله و التعدي إلى ما نهى الله عنه سماه الله ظلما , فما هي عاقبة هذا الظلم : إنها الهبوط من الجنة إلى الأرض!
فمتى يرحم نفسه من يقترف الذنوب غير مبالِ, و متى يتنبه من غفلته العاكف على المعاصي أطراف النهار وآناء الليالي ؟! ألم يعلم أنه بكل ذنب يجترحه أو خطيئة يكتسبها أنه إنما يثقل كاهله , ويسوّد صحائفه , ويستجلب من عذاب الله مالا طاقة له به ؟
فليبادر من قريب إلى التوبة والاستغفار, من ظلم نفسه فإن الله تعالى يقول:{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }.
والقسم الثالث من أقسام الظلم : ظلم العباد بعضهم بعضا , ومنه العدوان عليهم بالقتل والبغي, والتعدي على أموالهم , أو منعهم حقوقهم , أو بخسهم إياها, كما يفعل الطغاة من الحكام من قهر شعوبهم , وظلمهم والجور عليهم, وظلم رؤساء الإدارات, وأصحاب الأعمال والشركات لعمالهم وخدمهم , وظلم الأزواج لزوجاتهم , ومنه الظلم في الدعاوى والأحكام, وتعدي الناس على حقوق بعضهم بغير حق, فكل من منع مسلماً من حقه المشروع , أو أخذه بالقوة والغصب فقد أخذه ظلماً وعدوانا!
  قال ابن الجوزي:" يشتمل الظلم على معصيتين عظيمتين, إحداهما: أخذ مال الغير بغير حق , ومبارزة الأمر بالعدل بالمخالفة, وهذه المعصية فيه أدهى لأنه لا يكاد يقع الظلم إلا للضعيف الذي لا يقدر على الانتصار إلا بالله عز وجل".(كشف المشكل 1/ 656)
فإن كان مالاً فأكله؛ فإنما يأكل في بطنه ناراً, يقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}. وإن كانت أرضاً اغتصبها كانت يوم القيامة طوقاً في عنقه, قال r:" من ظلم من الأرض قيد شبر طوّقه من سبع أرضين". (متفق عليه) وقال r:" من اقتطع أرضاً ظلماً لقي لله وهو عليه غضبان ". (مسلم) وقال الله تعالى:{ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ }. ويقول النبيr: إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع, فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار".(متفق عليه)
فيا من ظلم من لا يجد له ناصراً إلا الله, لا تغتر بسلطانك وقوتك في هذه الدار, وتأهب للوقوف بين يدي العزيز القهار! فإنه يقول جل وعلا يوم القيامة:" أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة". (أحمد والحاكم)
فمن أراد السلامة من ذلك فليتب إلى الله تعالى, وليتحلل من حقوق الناس وليرد إليهم ما ظلمهم فيه, يقول رسول الله r:" من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ". (البخاري) فإنه لا يقبل يومئذٍ من الظالم حجة ولا اعتذار,{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }.
وقد حذّر الله العباد عاقبة الظلم فقال عز وجل:{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}.وقال رسول الله r:"إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته,ثم قرأ:{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
فإن من شؤم الظلم ما حاق بفرعون من انتقام الله الشديد كيف جعله عبرة للظالمين, فقال تعالى:{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}, هذا في الدنيا وأما في الآخرة فقال الله :{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.
ومن سوء عاقبة الظلم ما أحله الله بالمجرم اليهودي رئيس وزراء دولة إسرائيل إريل شارون الذي لقي منه المسلمون في فلسطين أشد أنواع الظلم والقتل, فابتلاه الله بمرض عضال فهو على فراش الموت في غيبوبة منذ أكثر من خمس سنوات لا يستطيع حراكا, وكم أجري له من العمليات الجراحية فما زاده  الله إلا عذاباً وألماً, وهو لا يزال في البلاء الشديد مع ما ينتظره من أليم العذاب يوم القيامة! لنتأمل ما حل بالطغاة الظالمين من حكام المسلمين في هذا الزمان من عقوبة الظلم,فكم تجرعت شعوبهم من جرائمهم التي تقشعر لها الأبدان, وكم أذاقوا الناس من صُنُوف الظلم.., والظلم مردود على من ظلم ..!
فقد رأى الكثير من الناس الرئيس التونسي المخلوع: زين العابدين بن علي كيف أذله الله لما ظلم وبغى؛فأنزل الله في قلبه الرعب لما قامت الثورة في بلاده, ففر يبحث عن ملجأ يأوي إليه.!
وكذلك الرئيس المصري: حسني مبارك الذي قهر شعبه وخان أمته فوالى اليهود وحاصر المسلمين في فلسطين, حتى إذا أراد ربك الانتقام منه أخذه أخذاً مخزياً, فهاهو وأولاده وأعوانه بعد عز الرئاسة وقصورها ومنتجعاتها وراء قضبان السجون, أليس هذا من عدل الله وانتقامه من الظالمين!
وثالثهم الطاغية الليببي: معمر القذافي الذي حادّ الله ورسوله وعاث في الأرض فساداً أكثر من أربعين سنة, ثم نزل به من أمر الله ما لم يكن في حسبانه , ففر هارباً بعد أن سلبه الله ملكه, وتشردت أسرته! فهل أغنت عنه قصوره وحصونه وجنده لما نزل به من أمر الله ما نزل؟! *
يقول الله عز وجل:{ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.ويقول سبحانه:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ }.
فأما في اليوم المشهود فيقول الله تعالى:{أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}. ويقول سبحانه:{ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ }.!
ألم يئن لنا أن نتق الظلم, ونحذر عاقبته المهينة, ونتذكر قول النبي r:اتقوا الظلم فإن الظلمات يوم القيامة". (مسلم) وقول العزيز الحكيم:{ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ }..!  وقول النبيr:"اتقوا الظلم فإن الظلمات يوم القيامة".  (مسلم)  ..!

                21/10/1432

******
 تكميل:
في يوم الخميس 22/11/1432 هـ تم إلقاء القبض على الطاغية الليبي القذافي من قبل الثوار ثم قتل في مدينة سرت مسقط رأسه وقتل معه ولده المعتصم ..وهناك أنباء عن مقتل أبنه الآخر سيف الإسلام , ولم يتأكد من ذلك بعد !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من آداب سورة الحجرات

    من آداب سورة الحجرات قال الله عزوجل; ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّه...