فضول الكلام والنظر.
__________________
الفضول: هو كل مازاد عن الحد المشروع من قول وعمل، وهوخلق رذيل وشر وبيل.
والمراد هنا الكلام فيما لايعني الإنسان، والنظر إلى مالايحل له.
قال ابن القيم رحمه الله:"وأكثر المعاصي إنما يولِّدها فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان؛ فإن جارحتيهما لا يملان ولا يسأمان، بخلاف شهوة البطن؛ فإنه إذا امتلأ لم يبقَ فيه إرادة للطعام، وأما العين واللسان فلو تُركا لم يفترا من النظر والكلام؛ فجنايتهما متسعة الأطراف، كثيرة الشُّعَب، عظيمة الآفات". (التفسير القيم: ص٦٢٧)
وسأقتصر في هذه المقالة الموجزة على التحذير من فضول القول والنظر بذكر بعض الأمثلة له، ومايجر إليه من العواقب الوخيمة.
فأولاً:
فضول الكلام.
ويدخل فيه ما يعرف بالثرثرة، وهي كثرة الكلام فيما لا فائدة فيه. كما جاء النهي عن ذلك في الحديث: "وكره لكم قيل وقال." [البخاري:١٤٧٧، ومسلم:٥٩٣]
ومنه الكلام فيما لايعني المسلم.
ومن الفضول في القول:
الكلام في المحرمات، كالنميمة والغيبة والقذف والبهتان، وما يحتشم منه كالكلام في العورات، ونحو ذلك مما جاء النهي عنه.
فعن معاذ رضي الله عنه أنه قال يارسول الله وإنا بما نتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم:" ..و$هل يَكبُ الناسَ في النار على وجوههم ، إلا حصائدُ ألسنتهم".
[الترمذي:٢٢٦١، وابن ماجه:٣٩٧٣].
ومن الفضول أيضاً:
نشر الشائعات، وبث الشبهات، والغلو في الأشخاص بمدحهم بغير حق، والتلبيس على المسلمين، وتشويه فضائل الدين وأحكامه.
فالكلام في ذلك مع كونه فضولا تمجه الأُذن، وينفر منه الطبع السليم، فهو محرم ومنكر من القول، يجب الأخذ على يد صاحبه، وتأديبه، ليكف لسانه عن الخوض فيما يضر الناس في دينهم ودنياهم.
وقد جاء النهي عن مثل هذا في قوله تعالى:{وَإِذا رَأَيتَ الَّذينَ يَخوضونَ في آياتِنا فَأَعرِض عَنهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ وَإِمّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيطانُ فَلا تَقعُد بَعدَ الذِّكرى مَعَ القَومِ الظّالِمينَ}.
فسماهم الله ظالمين.
وهذا أخطر ما يكون من فضول الكلام.
"ومن ذلك التصدر في المجالس والمنتديات وقت الفتن والمدلهمات والخوض في مواضيع الدين أو الأمة. وكذلك الكلام فيما لا يفقهه الشخص، وما ليس من اختصاصه، وما لا فائدة فيه.
وهذا فيه خطر كبير لما فيه من الإعراض عن التفقه في دين الله، والانشغال بالأدنى وسفاسف الأمور.
كما أن فيه إهداراً للأوقات والأعمار".
- وثانياً:
فضول النظر.
والمقصود به النظر الحسي والمعنوي إلى ما لا يحل للمسلم.
فمنه: النظر إلى الناس نظرة احتقار وازدراء، ومبعث ذلك الكبر، وإعجاب المرء بنفسه.
وفي مقابل ذلك نظر الإنسان إلى من فضّل عليه في علم أو رزق و غيره. فمن خطر ذلك أنه قد يوقع في ازدراء نعمة الله، قال صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".[ابن ماجه:٢٩٦٣].
فهذا لا شك في خطره، فإنه قد يجر صاحبه إلى الحسد وإصابة المنظور بالعين.
ومنه:
النظر المحرم من الرجال إلى النساء، ومن النساء للرجال.
ومن أخطاره:
أنه يزهّد فاعله في الحلال، ويفسد القلب، والتمادي فيه يقود لماهو أقبح منه،ففي الحديث"فزنا العين النظر". [ البخاري:٦٦١٢،ومسلم:٢٦٥٧ ]
وعلاج ذلك بغض البصر، وصرف النظر، والاستعاضة عنه بالحلال.
ففي حق الرجال قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم ..}.
وقال سبحانه في حق النساء:{وَقُل لِلمُؤمِناتِ يَغضُضنَ مِن أَبصارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُروجَهُنَّ وَلا يُبدينَ زينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنها ..}
ثم ختم الله تعالى ذلك بالأمر بالتوبة فقال عز وجل: {وَتوبوا إِلَى اللَّهِ جَميعًا أَيُّهَ المُؤمِنونَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ}.
ولما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، أي: النظر المحرم بغير قصد، قال: "اصرف بصرك".[أبوداود: ٢١٤٨، ونحوه عند مسلم:٢١٥٩]
فمن علم ذلك، أدرك شؤم الفضول من القول والنظر، فاستعمل جوارحه فيما ينفعه، وترك ما يضره.
فيحفظ لسانه فلا يتكلم إلا بماينفعه، فالله تعالى يقول:{لا خَيرَ في كَثيرٍ مِن نَجواهُم إِلّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ..}
ويحفظ كذلك بصره فلا ينظر إلا إلى ما أحل الله له، قال الله تعالى:{وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا}.
……………………………..
محمد بن علي الشيخي
١٤٤٠/١١/٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق