الجمعة، 24 فبراير 2023

السنة النبويّة

       السنة النبوية.      

 إن من أجلِّ وأعظم نِعم الله على المؤمنين هدايتهم للإيمان وتنـزيل السنة والقرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أرشد الله إلى ذلك فقال سبحانه وتعالى:  ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ ) .  وأمر عز وجل بتلقي وحيه بالإيمان والطاعة والتسليم فقال سبحانه:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ} فالسُنة النبوية: هي الوحي الثاني ، وهي المفسرة والمبينة للقرآن، يقول الله تعالى: {وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ}. فالكتاب لا بد له من بيان النبي صلى الله عليه وسلم، وبيانه بالسنة، وتشمل أحاديثه صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وهديه. فتبيين الكتاب في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيكَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا}. قال الشافعي رحمه الله: "ذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن القرآن ذُكر وأتبعته الحكمة،..وافترض الله طاعة رسوله وحتم على الناس اتباع أمره،..فإن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به. وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة عن الله معنى ما أراد ..".(الرسالة ص:٧٨). - وقد امتنّ الله على المؤمنين ببعثة نبيه صلى الله عليه وسلم وما يعلمهم من الكتاب والحكمة فقال سبحانه:{لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ}.  فالمراد بالحكمة هنا سنته صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:﴿وَاذكُرنَ ما يُتلى في بُيوتِكُنَّ مِن آياتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطيفًا خَبيرًا﴾

قال ابن بطال رحمه الله:  قوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة } هي السنة التي سنها الرسول بوحي من الله . وسنن رسول الله ﷺ حكمة ، فصل بها بين الحق والباطل ، وبيّن لهم مجمل القرآن ومعاني التنزيل ، والفقه في الدين ، فهو كتاب الله وسنة نبيه - عليه السلام.

(شرح صحيح البخاري : ١٦١/١)

- الوحي الذي أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: القرآن والسنة، هذه حقيقة يجب أن تكون ثابتة وواضحة لكل مسلم.  - وأن يوقن أن الله عز وجل قد تكفل بحفظ وحيه فقال جل وعلا:{إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ}. -  أن حفظ الله للذكر هو حفظه للقرآن والسنة، ولأجل ذلك قيّض الله جهابذة العلماء كالإمام مالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وابن عيينة والبخاري ومسلم..ومن قبلهم من الصحابة الذي رووا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقله عنهم العدول الثقات من الرواة. فتم بحمد الله حفظ  السنة وتدوينها من أوثق وأصح الطرق..  -والسنة محفوظة بما فيها من الفرائض والأحكام والمعاملات والآداب التي ورد بيانها أو فرضها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم. - وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته بالتمسك بسنته فقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ،وإياكم ومحدثات الأمور.. ".  فمن نُصحه صلى الله عليه وسلم لأمته وصيته إياهم التمسك بسنته أشد ما يكون، وتحذّيرهم من المحدثات والبدع في دين الله. وقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا:" لا أُلفينّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ:لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ".  [أبوداود: ٤٦٠٥والترمذي:٢٦٦٣].  وقال صلى الله عليه وسلم:[يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ". [ ابن ماجه:١٢، والترمذي:٢٦٦٤، والدارمي: ٦٠٦]. وقال عليه الصلاة والسلام:  "ألا إِنِّي أُوتيت الكتاب ومثله معه، أَلا يُوشِكُ رجلٌ شبعانُ على أَرِيكَتِهِ يقول : عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه..". [ أبوداود وأحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي].  - فترك العمل بالسنة خصوصاً ما كان منها على سبيل الفرض خطر عظيم، وأسوء من ذلك الاستهزاء بها أو رميها بالنقص، أو القول بأن ما جاءت به إنما هو تشريع زمني مؤقت، لا يستوعب مستجدات العصر، ومتطلبات التقدم والتطور. فكل ذلك منكر، وسوء أدب مع الله تعالى الذي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:{..فَليَحذَرِ الَّذينَ يُخالِفونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصيبَهُم عَذابٌ أَليمٌ}. وقال الإمام أحمد:" أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض أمره أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك". ( الإبانة لابن بطة،ص:١٢٣). وقال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى:{ الذين يخالفون عن أمره} أي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله، هو منهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان". (ج:١٠ ص:٢٨١-ط دار عالم الكتب).  وقال ابن القيم رحمه الله:" وقد كان السلف يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائناً من كان، يهجرون فاعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم، والتلقي بالسمع والطاعة ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا}". (إعلام الموقعين: ٤/ ٢٤٤ ) وختام ذلك الإيمان بأن "أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".  وبالله التوفيق.

  -------------------- 

محمد بن علي الشيخي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النتقون

                           المتقون  بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..  وبعد:  فإنّ المتقين هم المتصفون بالتقوى،  وهي فعل أ...