الإخبار في القرآن عن المستقبل بصيغة الماضي، نحو قول الله تعالى: {أتى أمر الله} وقوله{ وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ }.
وذلك من أساليب القرآن وبلاغته وفصاحته التي أذعنت لها العرب فأعجزهم الإتيان بمثله أو مقارعته.
- قال ابن كثير رحمه الله :
"كثيرًا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ، ليدل على الوقوع والثبوت". (١)
وقال أيضاً:"يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرًا بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة كما قال تعالى : {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون } وقال سبحانه : { اقتربت الساعة وانشق القمر} ".(٢)
وقال الطبراني: "ذِكر الإتيان في هذا ،فلأن أمر الله في القرب بمنزلة ماقد أتى.. كما قال سبحانه: {وما أمْرُ الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} ".(٣)
وقال ابن عطية: "( أتى) إخبار عن إتيان ماسيأتي، وصح ذلك على جهة التأكيد، وإذا كان الخبر حقاً يؤكد المستقبل بأن يخرج في صيغة الماضي، أي: كأنه لوضوحه والثقة به قد وقع، ويحسن هذا في خبر الله تعالى لصدق وقوعه".(٤)
وقوله الله تعالى:{وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ}
(قال) على هذا التأويل بمعنى: يقول: ونزّل الماضي موضع المستقبل دلالة على كون الأمر وثبوته".(٥)
وهذا إنما هو يوم القيامة قال تعالى بعد ذلك{ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.. }.
وقال ابن الأثير:
" الفعل الماضي إذا أخبر به عن الفعل المستقبل الذي لم يوجد بعد كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق الفعل وإيجاده لأن الفعل الماضي يعطي من المعنى أنه قد كان ووجد، وإنما يفعل ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الأشياء العظيمة التي يستعظم وجودها.
والفرق بينه وبين الإخبار بالفعل المستقبل عن الماضي أن الغرض بذاك تبيين هيئة الفعل واستحضار صورته، ليكون السامع كأنه يشاهدها، والغرض بهذا هو الدلالة على إيجاد الفعل الذي لم يوجد".(٦)
____
١- تفسير القرآن العظيم. ج٥: ص:٤٢٥
٢- = = = . ج: ٨ ص:٢٩٨
٣- التفسير الكبير. ج:٤ص:٥٨
٤- المحرر الوجيز. ج: ٦ص:٦
٥- = = . ج: ٣ص: ٦٨٧
٦- المثل السائر . ج:٢ ص:١٩٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق