تسلية الله تعالى لنبيه عن أذى قومه
يقول تعالى: { قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَیَحۡزُنُكَ ٱلَّذِی یَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ}.
قال ابن عطية رحمه الله: " «قَدْ» الملازم للفعل: حرف يجيء مع التوقع إما عند المتكلم، وإما عند السامع، أو مقدراً عنده، فإذا كان الفعل خالصاً للاستقبال كان التوقع من المتكلم ، كقولك قد يقوم زيد، وقد ينزل المطر في شهر كذا،
وإذا كان الفعل ماضياً أو فعل حال بمعنى المضي مثل : آيتنا هذه، فإن التوقع ليس من المتكلم، بل المتكلم موجب ما أخبر به، وإنما كان التوقع عند السامع فيخبره المتكلم بأحد المتوقعين.
و(نعلم) تتضمن إذا كانت من الله تعالى استمرار العلم وقِدمه، فهي تعم الماضي والحال والاستقبال، ودخلت (إنّ) للمبالغة في التأكيد.
(المحرر الوجيز : ٧٤٢/٣)
فقول الله عز وجل: { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ..}
يخبر الله عز وجل فيها عن علمه بما يلاقيه نبيه صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه وأذاهم له، وفي ذلك تقوية وتثبيت له، وتسلية عما يلاقيه في سبيل الدعوة من جحود وصدود قومه، يقول تعالى: { وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِی ضَیۡقࣲ مِّمَّا یَمۡكُرُونَ }. ويقول: { وَلَا یَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعًاۚ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ }.
فهم لا ينسبونه إلى الكذب بل يعلمون صدقه، ولكن جحودًا وعنادًا منهم لرد ما جاءهم به من الحق. فيواسيه تعالى بما حصل لإخوانه من الرسل فيقول عز وجل: { وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰۤ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَكَ مِن نَّبَإِی۟ ٱلۡمُرۡسَلِینَ }
فقد سبق لأنبياء الله مع أقوامهم مثل ذلك يقول سبحانه: {وَإِن یُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ }
فعجبًا لهؤلاء القوم كيف يقرون بصدق النبي صلى عليه وسلم ثم يكذبونه فيما جاءهم به من عند الله؟!
لقد كان هرقل الرومي النصراني في هذه أعقلهم منهم حين قال: "قد أعلم أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس فيكذب على الله".
وأما هؤلاء الظالمون فإن الله قد أعد لهم جزاء تكذيبهم وإعراضهم عذاباً أليمًا فقال: { إِنَّ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَ ابُ ٱلسَّمَاۤءِ وَلَا یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ یَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِی سَمِّ ٱلۡخِیَاطِۚ وَكَذَ لِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُجۡرِمِینَ• لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادࣱ وَمِن فَوۡقِهِمۡ غَوَاشࣲۚ وَكَذَ لِكَ نَجۡزِی ٱلظَّـٰلِمِینَ }.
هنالك يعلم الظالمون المكذبون أن ما كانوا فيه من العناد والتكذيب أنه قد أحاط بهم جزاؤه وسوء عاقبته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق