الخميس، 15 فبراير 2024

الأحرف السبعة التي نزل القرآن بها

 

      الأحرف السبعة


في هذا المقال سأنقل كلام أهل العلم في معنى الأحرف السبعة التي ورد ذِكرها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف.. 

قال ابن عطية رحمه الله:"معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :أنزل القرآن على سبعة أحرف" أي: فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل, فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش, ومرة بعبارة هذيل, ومرة بغير ذلك, بحسب الأفصح و الأوجز في اللفظة. ألا ترى أن فطر معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله, فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر, فقال أحدهما: أنا فطرتها. قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى{فاطر السماوات والأرض } 

وقال أيضا: ما كنت أدري معنى قوله { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها تعال أفاتحك أي: أحاكمك.

وكذلك قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قوله تعالى{أو يأخذهم على تخوف}  . فوقف به فتى فقال إن أبي يتخوفني حقي, فقال عمر: الله أكبر, أو يأخذهم على تخوف أي على تنقص لهم.

وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة {والنخل باسقات }.

  • قال قطبة رضي الله عنه: "فجعلت أرددها , ولا أدري ما قال". (١)  يعنى باسقات−.

فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله صلى الله عليه وسلم:{فاقرؤوا ما تيسر منه}  بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه, ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى الله عليه وسلم ليوسع بها على أمته فقرأه مرة لأُبَيّ بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا.

وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ).

وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب لسورة الفرقان وقراءة هشام بن حكيم لها وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة كل منهما وقد اختلفتا هكذا أقرأني جبريل هل ذلك إلا لأنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة.

وعلى هذا يحمل قول أنس بن مالك حين قرأ {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا } فقيل له إنما تقرأ وأقوم فقال أنس: أصوب وأقوم وأهيأ واحد.

فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فلو كان هذا لأحد من الناس أن يضعه لبطل معنى قول الله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .

ثم إن هذه الروايات الكثيرة لما انتشرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترق الصحابة في البلدان وجاء الخلف وقرأ القرآن كثير من غير العرب وقع بين أهل الشام والعراق ما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وذلك أنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض أنا كافر بما تقرأ به فأشفق حذيفة مما رأى منهم.

فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاري وغيره دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال في ماذا؟ قال: في كتاب الله, إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الشام ومن الحجاز فوصف له ما تقدم وقال إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى قال عثمان رضي الله عنه أفعل فتجرد للأمر واستناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات وقال لهم:" إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش".

فمعنى هذا إذا اختلفتم فيما روي وإلا فمحال أن يحيلهم على اختلاف من قبلهم لأنه وضع قرآن فكتبوا في القرآن من كل اللغات السبع مرة من هذه ومرة من هذه وذلك مقيد بأن الجميع مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ عليه واستمر الناس على هذا المصحف المتخير وترك ما خرج عنه مما كان كتب سدا للذريعة وتغليبا لمصلحة الألفة وهي المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن تحرق أو تخرق." .(٢)

    وقال ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره ملخصًا لكلام القرطبي رحمهما الله:

الأول− وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي: 

أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل وتعال وهلم.

 وقال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب واسرع وعجل.

عن أبيّ بن كعب: أنه كان يقرأ: { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ }: {للذين آمنوا أمهلونا}  {للذين آمنوا أخرونا}  {للذين آمنوا ارقبونا} ، وكان يقرأ: { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ }: {مروا فيه } {سعوا فيه} .

 قال الطحاوي وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ.

وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمرو بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.

قلت: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم، وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضًا، فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، وعزم عليهم ألا يقرؤوا بغيرها، وألا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة، ولكنها أفضت إلى الفرقة والاختلاف.

القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: { وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} و { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} . 

قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعدُ به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: { قُرْآنًا عَرَبِيًّا }، ولم يقل: قرشيًا. قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولاً واحدًا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات بتحقيق الهمزات، فإن قريشًا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى:{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } حتى سمعت أعرابيًا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.

القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة  قريش.

القول الرابع وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء: أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل:{ وَيَضِيقُ صَدْرِي} و {يضيقَ}، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل:{ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } و {باعَدَ بين أسفارنا} ، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: { نُنْشِزُهَا }، و{نَنشُرُها}   أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} ، أو {كالصوف المنفوش{أو باختلاف الكلمة بالتقدم والتأخر مثل: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ }، أو{سكرة الحق بالموت} ، أو بالزيادة مثل {تسع وتسعون نعجة أنثى} ، {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}. {فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور} .

القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. 

قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفًا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثًا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراء  بها ) .(٣)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :" لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن  الأحرف السبعة  التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أُنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة.

ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناها متفقًا أو متقاربًا، كما قال عبد اللّه بن مسعود : إنما هو كقول أحدكم : أقبِل، وَهَلُمَّ، وَتَعَال .

وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر، لكن كلا المعنيين حق، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديث : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف، إن قلت : غفورًا رحيمًا، أو قلت : عزيزًا حكيمًا فاللّه كذلك، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة ). 

وهذا كما في القراءات المشهورة { ربنا بَاعَد } و{ بَاعِدْ} ، { إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا } و ( إلا أن يُخافا ألا يقيما)، { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } ـ و [ ليزول ] ، و { بَلْ عَجِبْتَ } و ( بل عجبتُ ) ونحو ذلك .

ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقًا من وجه متباينا من وجه، كقوله : { يخدعون } و { يُخَادِعُونَ } و ( يكذبون ) و { يكذبون }] و ( لَمَسْتُم ) و { لامستم }  و { حَتَّىَ يَطْهُرْنَ } و ( يطَّهَّرن ) ونحو ذلك فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملاً، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى؛ ظنًا أن ذلك تعارض، بل كما قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه : من كفر بحرف منه فقد كفر به كله .

 فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أن القراءات حرف من الحروف السبعة، بل يقولون : إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل، والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول . 

وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام، كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره؛ بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها، ثم أرسل عثمان بمشاورة الصحابة إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف وأمر بترك ما سوى ذلك..".(٤)





—---



١-صحيح مسلم:رقم٤٥٧  / ج:١ ص:٣٦٦

٢- المحرر الوجيز :  ٤٨،٤٤/١

٣- تفسير القرآن العظيم: ٦٢،٦١/١

٤-فتاوى ابن تيمية : ٣٢٩/٢


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النتقون

                           المتقون  بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..  وبعد:  فإنّ المتقين هم المتصفون بالتقوى،  وهي فعل أ...