الاثنين، 5 أغسطس 2024

العلم المكنون


       العلم المكنون


دعوى أن من العلم الشرعي شيء مكنون. 

يروى أنه قيل: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ فقال ﷺ:"هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتمونى عنه ما أخبرتكم به، إنّ الله وكّل بى ملكين فلا أُذكر عند عبد مسلم فيصلي علىّ إلا قال ذانك الملكان: غفر الله لك، وقال الله تعالى وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين،..".

               ***

هذا الخبر كذِب فيه رجل كذاب يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم.. 

اسمه الحكم بن عبد الله بن خطاف.  

قال الهيثمي عنه في مجمع الزوائد:  ( ٩٣/٧) كذاب.

وأورده ابن عرّاق في تنزيه الشريعة عن الأحاديث الشنيعة والموضوعة.[٣٣٣/٢] وذكر أن علته الحكم. 

وأورده السخاوي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع.   وقال في سنده: الحكم بن عبد الله بن خطاف. وهو متروك. [١٢٢]

قال الذهبي:" قال أبو حاتم: الحكم كذاب.[المغني في الضعفاء: ١٨٣/١]

فهذا الخبر من حيث السند غير صحيح، بل هو موضوع، أي:  مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلته:  الحكم بن عبد الله بن خطاف، وهو من الوضاعين، أي:  ممن يضعون الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم ويكذبون عليه. 


• وفي الخبر جملتان منكرتان.

الأولى: 

الزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ هذا من العلم المكنون، ولولا أنكم سألتموني ما أخبرتكم".وفي رواية:"من العلم المكتوم".

•وهذه العبارة فيها اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يكتم بعض العلم، وذلك يتنافى مع أمانته في التبليغ والنصح لأمته صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عنه:{ وماهو على الغيب بضنين} أي : ماهو بمتهم ولا بخيل في نصح أمته ودلالتها على الخير.. 

•وأشنع من ذلك وأنكر العبارة التالية: "وقال الله تعالى وملائكته جوابًا لذينك الملكين: آمين،..". 

فهذه أشد قبحاً وأعظم جرماً حين يُنسب إلى الله جلا وعلا  كذباً مالم يقل. قال تعالى: {فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰا لِّیُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَیۡرِ عِلۡمٍۚ }.

فهذا الخبر وأمثاله من دعاوى الصوفية وخرافاتهم التي يروجون بها على الناس، و يضلونهم بها.


• وبعد أن عرفنا بطلان هذا الخبر ، وما ينطوي عليه من سوء الأدب مع الله جلا وعلا، ومع نبيه صلى الله عليه وسلم. 

فهل يجوز أن يكون شيء من علوم الدين لا يعلمه أحد، أو مكنوناً ؟

وينبني على ذلك تجويز كون شيء مما أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مكتوماً أو لم يُبلغه لأمته. 

•وتلك فرية عظيمة، أن يُظن برسول الله صلى الله عليه وسلم كتمان شيءٍ من الوحي أو الدين لم يبلّغه. قال الله تعالى:{وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُوا۟ۚ فَإِن تَوَلَّیۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ }

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:"وقد تركتُ فيكم ما لَنْ تَضِلُّوا بعده إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ؛ كِتَابُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ " قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ:" اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ". ثَلَاثَ مَرَّاتٍ". (صحيح مسلم: ١٢١٨)

وقالت عائشة رضي الله عنها" مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته }". (صحيح البخاري: ٤٦١٢).

وقال صلى الله عليه صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار".البخاري(١٠٧) 

وفي رواية: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". البخاري(١١٠) ومسلم(٣)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لعلك بلغت معهم الكُدى

  لعلك بلغت معهم الكُدَى. .  حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها : " ما أخرجك من بيتك؟ قا...