الثبات على الدين.
قول الله عز وجل:
- ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لَّدنك رحمة إِنّك أَنت الوَهَّابُ.
الهبة: قريبة من العطية لكنها أخص منها معنىً فهي عطاء تفضل وامتنان وإحسان.
قال السمعاني عن معنى قوله تعالى: " ربنا لا تزغ قلوبنا" أي: لا تمل قلوبنا بعد إذ هديتنا. وهذا دعاء للتثبيت والإدامة عليه.
وقد روت أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".(أخرجه الترمذي وقال:حسن٣٥٢٢ ، وأحمد: ٢٩٤/٦.
(تفسير القرآن العظيم: ٢٩٧/١).
فهذا دعاء أعلم الخلق بالله وأتقاهم له، وأكرم عباده عليه، صلى الله عليه وسلم وفي هذا تنبيه وتعليم لنا لنحرص على هذا الدعاء ولنستكثر منه.
فإن الهداية بيد الله وهو الفعال لما يريد. قال سبحانه: { یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَیُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِینَۚ وَیَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُ }
وقول الله تعالى :" وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب".
قال ابن جرير رحمه الله: (إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) يعني إنّك أنتَ المُعْطي عبادك؛ التوفيق والسَّداد للثبات على دينك، وتصديق كتابك ورسلك.{وهب لنا من لدنك رحمة} معونة للثبات على ما هم عليه من حسن البصيرة بالحق."( جامع البيان: ١٨٨،١٨٧/٣ )
والوهاب: هو " الذي يجود بالعطاء من غير استثابة:".(زاد المسير لابن الجوزي: ٢٩٨/١)
فالهداية منحة من الله دون استحقاق، وهبها تعالى للمؤمن تفضلا منه وإحساناً، وهي أجل النعم. وقد أدرك ذلك الراسخون في العلم فيما أخبر في قوله تعالى: { وَٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ } ثم دعوا ربهم أن لا يزيغ قلوبهم ، وأن يثبتهم على هذه النعمة معترفين له بالمنة وعظيم الفضل فقالوا : {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة،} تعيننا بها على أداء حقك وواجب شكرك. فإنه لا حول لنا ولاقوة إلا بك، فأنت العزيز الوهاب.
ولعظم قدر الهداية والثبات على الدين كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم سؤال الله ذلك كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها السابق، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أَنه سمع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إِنَّ قلوب بني آدم كلها بين إصبُعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرِّفه كيف يشاء ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللَّهم مُصرِّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك". (مسلم ٢٦٥٤)
وعن أنس ، قال : كان رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم يُكْثِرُ أَن يقول : " يا مقلِّب القلوب ، ثبِّت قلْبي على دينكَ " ، فقلت : يا رسول اللَّه، آمنَّا بك وبما جئْتَ بِه فهل تخافُ علينا ؟ قال : " نعمْ ، إِنَّ القلوب بين. أُصبُعين من أَصابع اللَّه يقلبها كيف يشاءُ". ( الترمذي: ٢١٤٠، وأحمد.. )
وعن شداد بن أوس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,كان يقول في صلاته : "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسالك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً ، وأسألك من خير ماتعلم وأعوذ بك من شر ماتعلم واستغفرك لما تعلم" (النسائي: ١٣٠٣، وابن حبان :١٩٧٤)
وبعد فمن أدرك قيمة الهداية والثبات على الدين وقيمة النعمة عليه بذلك ورأى الفتن وكثرتها، وقرأ كل يوم في صلواته {أهدنا الصراط المستقيم} علم قدر حاجته لدعاء الله وسؤاله الثبات على دينه، فقال مفتقراً وراجياً ربه:
ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك. اللهم مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق