الإيمان قول وعمل
الحمد لله العلي العظيم القائل في كتابه الكريم:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا.}
وبعد!
فالمؤمن الموعود بهذا النعيم لا شك أنه يعلم أن من الواجب عليه أن يُصدّق إيمانه بصالح العمل.
وأنه كلما استزاد من الطاعات ازداد إيمانًا، وينقص إيمانه ويضعف كلما عصى الله وخالف أمره.
وكلما استكثر من العبادة والتقرب إلى الله كلما أحبه ربه وقربه إليه، ففي الحديث القدسي قال ربنا عز وجل:" ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه".
[ البخاري: ٦٥٠٢، وأحمد ٢٥٦/٦]
• وقد بشّر سبحانه عباده المؤمنين الذين صدّقوا إيمانهم بالعمل الصالح ببشارات عظيمة، وأعد لهم جنات النعيم وذكر ذلك في كثير من الآيات:
فمن ذلك قوله عز وجل:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
•وجعل الله الإيمان والعمل الصالح سبباً للفوز بالجنة ونعيمها فقال:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}. ومعنى قول الله تعالى:{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} أي: بسب إيمانهم يدخلهم جنات النعيم كما في قوله تعالى: { وَتِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِیۤ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ } وقوله: {وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ • وَنَزَعۡنَا مَا فِی صُدُورِهِم مِّنۡ غِلࣲّ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِیَ لَوۡلَاۤ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوۤا۟ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ }
• ونفي الله الخوف والحزن عن أوليائه المؤمنين الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقال سبحانه:{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}. فقرن بين الإيمان والعمل الصالح.
• وتفضل عليهم ربهم سبحانه بتوفية أجورهم فقال تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ}. وأعد الله لعباده المؤمنين الحياة الطيبة وجزاهم على أعمالهم أحسن الجزاء فقال عز وجل:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
فمتى تدبر المؤمن الآيات التي ورد فيها ذكر الإيمان مقرونًا بالعمل الصالح، أدرك ضرورة تصديق القول بالعمل.
فمن ادعى أنه مؤمن فلا بد أن يُصدّق عملُه قولَه، فالعمل الصالح الذي أخلصت فيه النية، ووافق السنة هو ثمرة الإيمان الصادق والدليل عليه.
وقد قرر علماء السنة:
أنّ الإيمان اعتقاد وإقرار بالقلب، وقول باللسان ، وتصديق بعمل الجوارح والأعضاء، يزيد بالطاعة. وينقص بالمعصية.
ويشهد لذلك ويوضحه:
أنّ الله سبحانه لما ذكر بعض خصال البر وشعب الإيمان أخبر أنها من أعمال المتقين الذين صدقوا في تقواهم وإيمانهم فقال تعالى:{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
قال ابن كثير:"{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا } أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صَدَقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}".
• وقد وعد الله المؤمنين الجنة وجعلها نزلاً لهم وجزاء أعمالهم الصالحة فقال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
فلينظر كلٌ مؤمن إلى ما يحصل فيه التقصير من أعماله فليتق الله فيه، وليبادر إلى تكميله وإصلاحه.
لتتحقق عبادة الله بإخلاص ومحبة وتعظيم، شكراً لنعمه الجليلة التي أسبغها سبحانه، ورجاء ما وعد من الفضل العظيم.
مع الاستكثار من الطاعات واستباق الخيرات، استجابة إلى ما إليه عز وحل بقوله: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
ثم ذكر بعض صفات المتقين وأعمالهم، فقال:
{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وختم الآيات بذكر ما أعدّه لهم من الثواب العظيم فقال: : {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
فقد جعل الله تعالى هذا النعيم جزاءً للعاملين المتقين الذين ذكر طرفًا من صفاتهم وأعمالهم، بشارة وتشويقاً لهم.
فيا فوز من اتقى الله عز وجل، وشكره على نعمة الهداية واجتهد في تغذية الإيمان بمختلف أنواع البر من الأعمال الصالحة الخالصة لله تعالى. ويا بشراه بتمام النعمة والفوز بالجنة والنجاة من النار.
جعلني الله وإياك ووالِدينا منهم بمنه وكرمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق