الثلاثاء، 13 مايو 2025

البحر المسجور

البحر المسجور.  

قال أحدهم: قول الله تعالى: "(وإذا البحار سجرت) إخبار لما يقع في المستقبل - من أهوال الساعة - إذا قيل بمعنى مُلئِت لأن البحار يفضي بعضها إلى بعض فهذا المعنى متحقق من قبل نزول القرآن الكريم، البحار جميعها عدا البحر الميت يفضي بعضها إلى بعض من قديم الزمان. فكيف يعد هذا من أهوال يوم القيامة؟".

الجواب: 

أقول مستعينًا بالله تعالى.. 


سأنقل كلام علماء التفسير وأقوالهم في معنى الآية، ثم أبيّن  كيف يُرد على قائل هذه الشبهة، والخاطر الذي ورد عليه.. وأن ذلك خطأٌ يجب تصويبه . والحذر منه. 

فعن قول الله تعالى:{والبحر المسجور}

١-قال ابن جرير رحمه الله:" المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض. وقيل : الموقد المحميّ". ( جامع البيان: ٢٠،١٩/٢٧)

وقال رحمه الله:" قيل:( وإذا البحار سجرت) أي: اشتعلت فصارت ناراً. 

وقيل:ملئت حتى فاضت وانفجرت وسالت."( ٦٨/٣٠)


٢-وقال ابن قتيبة :

"البحر المسجور، المملوء".

(غريب القرآن: ٣١٤)


٣--وقال الزجاج: 

معنى سجرت،قيل إنه في معنى فجرت. 

وقيل سجرت:  ملئت، ومنه البحر المسجور المملوء.. 

وقيل سجرت جعلت مياهها نيراناً يعذب بها أهل النار. 

(معاني القرآن.. ٢٢٤/٥)


٤-قال ابن أبي زمنين:

(البحر المسجور) المسجور معناه في اللغة:  المملوء.   ( ٢٩٤/٤)

وقوله تعالى:"(وإذا البحار سجرت)  قال الحسن:  يعني:  فاضت. 

وسجرت حقيقته: ملئت، فيفيض بعضها إلى بعض فتصير شيئًا واحدًا. وهو معنى قول الحسن. 

(تفسير القرآن العزيز ٩٩/٥).


٥-.وقال السمعاني: "( والبحر المسجور ) . 

القول الثاني في الآية : أن البحر المسجور هو المفجور على ما قال تعالى في موضع آخر: (وإذا البحار فجّّرت ) وتفجيرها هو بسطها وإرسالها على الأرض. وقد روى عن ابن عباس أنه قال :البحر المسجور هو المرسل، وذلك لمعنى ما بينّا . 

والقول الثالث:أن البحر المسجور هو الموقد نارًا، من قولهم : سجرت التنور . 

والقول الرابع : أن البحر المسجور هو البحر الذى يبس ماؤه وذهب، كأن بحار الأرض تفرغ عن الماء يوم القيامة. وعبر بعضهم عن هذا البحر المسجور بالفارغ". (٢٦٨/٥).

٦-قال ابن الجوزي: البحر المسجور فيه أقوال:

أحدها: المملوء قاله الحسن وأبو صالح وابن السائب وجميع اللغويين. 

والثاني: أنه الموقد قاله مجاهد وابن زيد. (زاد المسير٢٦٢/٧)

وقال في (ص:٣٠٩،٣٠٨)

(وإذا البحار سجرت) في المعنى ثلاثة أقوال: 

أحدها: أوقدت فاشتعلت نارًا،قاله علي وابن عباس. 

والثاني: يبست. قاله الحسن. 

والثالث: ملئت بأن صارت بحرًا واحدًا وأُكثر ماؤها، قاله ابن السائب والفراء وابن قتيبة. 


٧-وقال البغوي:"قال ابن عباس: أوقدت فصارت نارًا تضطرم. 


٨-وقال ابن كثير: قوله تعالى: (والبحر المسجور) 

 قال الجمهور : هو يوم القيامة يكون نارًا كقوله : وإذا البحار سجرت، أي : أضرمت فتصير نارًا تتأجج ، تحيط بأهل الموقف. رواه سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب، ورُوي عن ابن عباس . 

وقال بعضهم : المراد أن يوقد يوم القيامة قاله سعيد بن جبير، ومجاهد وعن سعيد بن جبير (والبحرالمسجور)يعني:المرسل، 

وقال قتادة : المسجور المملوء، واختاره ابن جرير، ووجهه بأنه ليس موقداً  اليوم فهو مملوء".(  ٢٢٨/١٣) 

وقال عن قوله تعالى:  (وإذا البحار سجرت) قال ابن عباس وغير واحد:  ترسل عليها الدبور- ريح- فتسعرها وتصير نارًا تأجج. 

وقال مجاهد والحسن بن مسلم: سجرت أوقدت، وقال الضحاك وقتادة:  غاض ماؤها فذهب ولم يبق فيها قطرة. 

وقال قتادة أيضًا( سجرت) فجرت. وقال السدي فتحت وسيرت. وقال الربيع بن خثيم:  فاضت. ( ٢٦١/١٤)


٩- وقال ابن جزي:

 "( البحر المسجور) : المملوء ماءً، وقيل الفارغ من الماء، ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة، واللغة تقتضي الوجهين، لأن اللفظ من الأضداد. 

وقيل: معناه: الموقد نارًا، من قولك:  سجرت التنور، واللغة تقتضي هذا أيضاً".(التسهيل: ٢٨٥/٣)

وقال: (وإذا البحار سجرت) فيه ثلاثة أقوال: أحدها ملئت وفجِّر بعضها إلى بعض حتى تعود بحرًا واحدًا. 

والآخر ملئت نيرانًا لتعذيب أهل النار. 

والثالث: فرغت من مائها ويبست. وأصله من سجرت التنور، أي : إذا ملأته. 

فالقول الأول والثاني:  أليق بالأصل، والأول والثالث موافق لقوله ( فجرت). " (التسهيل: ٥٦٥/٣).


١٠-وقال ابن الملقن:(المسجور) أي:  المملوء بالماء، وقيل أي:  المحبوس، وقيل:  الذي يسجر يوم القيامة،أي:  يتوقد نارًا.

(تفسير غريب القرآن: ٤١٠) 

وقال: (وإذا البحار سجرت) أي: تفجر فيذهب ماؤها، ثم تحترق فتملأ نارًا.(٥٣١).


فخلاصة الأقوال عند أغلب المفسرين أن معنى قوله تعالى {والبحر المسجور}   أي: البحر الموقد، والممتلئ. 

وقوله : وإذا البحار سجرت. أي: أوقدت ، وملئت. 


فائدة: 

أن الأصل أن يؤخذ التفسير بالأثر وليس بالنظر، أي بالمنقول وليس بالمعقول. 

وكذلك سائر العلوم الشرعية.. 

فإذا جاء التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين وأئمة التفسير ممن بعدهم فهذا هو المعتمد.

ثم لا ينبغي الالتفات لمن ليس من أهل هذا الشأن.. 

كما أنه لا يجوز أن يُرد كلام أهل الاختصاص، أو الاعتراض عليه بما يراه الإنسان أنه مخالف للعقل والنظر.. 

وقد جاء تفسير الآية الصحيح عن السلف بكلمتين:  أوقدت، وملئت، وكلاهما صحيح، فلا ينبغي إهمال قول صحيح من التفسير أو الاعتراض عليه، فقد تتحمل الكلمة الوجهين، وقد يكون المهمل هو الأصوب. 

ثم إنّ أحوال الآخرة مخالفة لأحوال الدنيا فلا يقاس ما في الغيب على الحاضر. 

وانظر إلى مشهد واحد من تلك المشاهد العظام، فإنه، "تُدنى الشمسُ يوم الْقيامة من الخلق حتَّى تكون منهم كمقدار ميلٍ".(صحيح مسلم: ٥١١٢)

فكيف لا تحرقهم.. ؟

فالآية التي قال الله فيها عن تسجير { وإذا البحار سجرت}، وما قيل أن المعنى:  ملئت، وأن ذلك من أهوال القيامة .. 

فالذي يحصل للبحار أنها تفجّر وتمتلئ ويكثر ماؤها ويفيض بعضها في بعض ثم تشتعل نارًا.

ولا منافاة بين كون البحار في الدنيا ممتلئة ثم تزداد امتلاءً يوم القيامة..

وقد جاء نحو هذا المعنى أيضًا عن الأرض.. 

فأخبر الله تعالى أنها تُمدّ يوم القيامة.. في قوله:  {وإذا الأرض مُدّت } .. وبين كونها اليوم ممدودة كما قال تعالى:{والأرض مددناها• وألقينا في رواسي }..

فمن تمعن في ذلك لم يبق لديه إشكال، والحمد لله. 

فعلى المسلم أن يبحث عما أشكل عليه من تفسير آية في كتب أهل العلم، فإن حصل له مقصوده فليحمد لله، وإن عجز أن يفهم ذلك أو صعُب عليه إدراك ما يريد فليقل:  آمنت بالله و بمراد الله وما أنزل من كتابه ووحيه، ثم ليسأل ربه التوفيق والهداية للحق فهو الموفق للصواب. 

كما كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم ..اهدني لِمَا اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". 


وبعد: 

فإن كان هذا صوابًا فمن الله، والحمد لله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه. 

١٤٤٤


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الثبات على الدين

 ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز أن عباده الراسخين في العلم دعوه قائلين  :  - {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لّ...