الأربعاء، 6 أغسطس 2025

من صفات الأبرار ونعيمهم في سورة الإنسان . / خطبة

 من صفات الأبرار ونعيمهم في سورة الإنسان  . 


الحمد لله العلي العظيم , الحمد لله الذي أمر المؤمنين بالتقوى وأعد لهم جنات النعيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , العليم بما تخفي الصدور العزيز الحكيم. وأشهد أن نبينا محمداً عبده المصطفى ورسوله الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين, ومن اقتفى نهجه القويم. 

عباد الله: اتقوا الله تعالى, واسألوه التوفيق للهدى والثبات على الإيمان. وتدبروا ما وعظكم الله به من آيات القرآن. يقول الله عز وجل:

{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}.

هذا خبر من الله جل وعلا عن إكرامه للأبرار يوم القيامة سـماهم تعالى بأحسن أسـمائهم ، ووصفهم بأجمل أوصافهم, ووعدهم أكمل النعيم. وفي ذلك تشريف لهم ودعوة للسامعيـن للالتحاق بركبهم, كما في قوله سبحانه:{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ}.

     الأبرار يا عباد الله جعلنا الله جميعا منهم, هم: المؤمنون الصادقون في إيمانهم، الذين برّوا بطاعتهم ربـهم في أداء فرائضه, واجتناب نواهيه. 

     يشربون في الجنة من كأس ممزوجاً بالكافـور لطيب رائحتـه وبرودته. يشربون ويتروون من عين يُجْرُونها حيث شاءوا من قصورهم ومـجالسهم.  

 ثم بيّن سبحانه أعمالهم التي كانت سبباً للفوز بهذا النعيم فأخبر أنهم كانوا يعبدونه بـما أوجبه عليهم من فعل الطاعات، وما أوجبوه على أنفسهم بطـريق النذر. وأنهم يـخافون يوم القيامة، وما فيه من الشر الذي استطار، وانتشر حتى ملأ السموات والأرض.

ويـبذلون الطعام فيطعمون الـمسكين واليتيم والأسير طلبا لمرضاة الله، والقربة إليه, ورغبة في الفوز بلذة النظر إلى وجهه الكريم, لا يطلبون مـجازاة ولا شكراً من أحد, قال الله عنهم:{ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}, فأما العبوس, فلا مثيل له، وأما الطول فلا منتهى له.

ومن أوصافهم: معرفتهم بالله تعالى، وما يجب له من الخشية والتعظيم. ومع ذلك فإنـهم مشفقون من الساعة وجلون من ذلك اليوم العصيب!

وبعد أن ذكر الله خصالهم الحميدة، وأعمالهم الجليلة، بيّن أن إيمانـهم وأعمالهم الصالحة كانت سبباً لأمنهم من شر يوم القيامة, وعرض بعضاً من نعيمهم وثوابهم فقال سبحانه وتعالى:{ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا *وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا* وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا* قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا* عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا *عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا }. 

 منح الله أولياءه الأبرار كل خير، حتى أبهجهم وسرهم, وأعلى وأكرم ذلك السرور: رؤية الرب الكريم، جل وعلا. وتفضل عليهم ربهم بنضرة وجوههم وسرورهم جزاءً على صبرهم, متكئين في الجنة  على السُررَ المزينة بالستور, والمجالس ذات الوسائد والفرش, يتنعمون في ظل ظليل, وثمار مذللة أيما تذليل. شرابهم في أكواب من الفضة في صفاء الزجاج, مقدرة على رغبة الشاربين, يسقون من عين السلسبيل خمراً ممزوجاً بالزنجبيل, ولهم خدمٌ كاللؤلؤ المنثور. 

لباسهم من الحرير السندس؛ وهو الرفيع الحسن، وتـحته ثياب الإستبرق، وهو الديباج الغليظ. وهذا كقوله تعالى:{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} وكما قال تعالى:{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}. الرجال والنساء في الجنة سواء في الحلية، والتزين، فكل منهما يتحلى بـما شاء من الذهب والفضة واللؤلؤ. 

ثـم امتـن تعالى عليهم بفضله فقال: { إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا }, لقد كان عملكم مشكوراً ، فآتاكم  ربكم من الكرامة ما آتاكم.

لما كان الـمؤمن الصابر يقاسي في الدنيا مشقة التكليف، ويتلقى الأقدار الـمؤلمة، ويحمل ثقل الأمانة، ويصارع نزغات الشيطان، وشهوات النفس الأمارة بالسوء. يصارع كل ذلك ويقاسيه، وهو صابر لأمر الله، صابرٌ على قضائه. فاليوم قد آن الأوان ليطفئ حرارة هذا الصبر، ويبل غليله، فيستروح الظل الظليل, في أرغد عيش، وأنعم حال{ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ *لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ }.{ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ }.

 ولهم لون آخر من ألوان النعيم وهو: أنـهم لا يجدون في الجنة حرارة الشمس، ولا يرونـها، ولا يحسون فيها البـرد و لا الزمهرير, وإنما هم في: نورٌ يتلألأ,{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ* وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ}.

ولقد جمع الله لهم أصناف النعم، وهيأ لهم كل أنواع السرور؛  فاكتملت لهم اللذات، وطابت لهم الحياة, في مقام أمين، في ظلالٍ وعيون, دانية عليهم بأطيب الثمار. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع، مائة عام لا يقطعها ". هناك ترى الأغصان قد تدلت على الرؤوس، في منظر بديع, يبهج النفوس. إذا ما اشتهى ولي الله منها شيئاً؛ بادر الغصن بالتدلي إليه، ودنا منه على الحال الذي هو عليه، فيتناوله قاعداً، أو قائماً، أو متكئاً، على أي حالٍ كان! ثـمارٌ يانعةٌ, متدليةُ الأغصان، مذللةُ الأفنان؛ كل ذلك زيادة في التكريم والإنعام. 

ثم بيّن سبحانه نوعا آخر من أنواع الاحتفاء بـالأبرار، وهو أنـهم مكرمون، لا يتكلفون عناء خدمة أنفسهم، ولا يبذلون جهداً في الحصول على ما أرادوا من طعام أو شراب أو غيرهما. وإنـما يطاف عليهم في كل لحظة بـما يتخيـرون ويشاءون. ومما يدل على مزيد تكريمهم أن يطاف عليهم بالطعام والشراب في أفخر الآنية، فمـما يستدعي الرغبة في الطعام ويزيده لذةً أن يقدم في آنية حَسَنة جميلة فاخرة. ويسقون كأساً لذة للشاربـين. مطيّب النكهة والرائحة، ممزوجا بالزنجبيل. وشرابهم  متعة مأمونة لا يُذهِب العقل ولا يجلب الصداع كخمر الدنيا. وإنما هو عذب زلالٌ سلسبيلٌ سلسالٌ، منقاد مع الشارب حيثما شاء وأراد. 

سأل يهوديٌ رسول الله , فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هم في ظلمة دون الجسر ". قال: فمن أول الناس إجازة؟ - عبوراً لجسر جهنم- فقال:" فقراء الـمهاجرين ". قال اليهودي: فما تـحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال:" زيادة كبد النون ". قال فما غـذاؤهم على إثرها؟ قال:" ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل في أطرافها ". قال: فما شرابـهم عليه؟ قال:" من عين فيها تسمى سلسبيلا ". قال: صدقت.

 ومن تكريم الله لأوليائه الأبرار: أن يقوم على خدمتهم ولدان مخلدون، وهؤلاء الغلمان في شباب دائم لا يكبـرون، مخلدون لا يهرمون, اجتمع فيهم الحسن والنضارة، كأنهم لؤلؤاً منثوراً. فإذا كان هذا وصف الخدم وحسنهم، فكيف يكون حال السادة ؟! 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال عز وجل:" أعددت لعبادي الصالحين مالا عينٌ رأت، ولا أذن سـمعت، ولا خطر على قلب بشر ".

   الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله  ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه  وسلم تسليماً كثيراً.

عباد الله: اتقوا الله واعلموا أن أسباب الفوز بالجنة إيمان بالله، وعمل صالح، وإخلاص لله فيه، ومتابعة لرسول الله ، ومراقبة الله والخوف منه وخشيته، ومحبته وتعظيمه. 

  إن من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن هداهم للإيـمان، ووفقهم للعمل الصالح، وتفضل بقبوله منهم، وتـجاوز لهم عن السيئات، فإن هذا منتهى التكريم، وغاية الامتنان منه جل وعلا. ومن كرمه سبحانه: أنه جعل هذا النعيم الـمقيم، والـملك العظيم، جزاءً لأعمالهم، وعاملهم بفضله وإحسانه، ولم يعاملهم بعدله، فإنه لو عاملهم بالعدل لـما قامت أجورهم بـحق نعمه عليهم، فضلاً عن القيام بـما أوجبه عليهم. فلما زهد الـمؤمنون في شكر الناس لإحسانـهم، وأخلصوا لله أعمالهم؛ لذلك شكر الله سعيهم، فقال ممتناً عليهم، ومذكراً بفضله: { وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}. فكل ما تقدم من أوصاف نعيم الأبرار يرسم ذلك الـمشهد البهيج الجميل؛ فيطرب لذلك قلب المؤمن وتلتذ نفسه، وهو لا زال بعد في الدنيا. يحصل بمجرد التفكير فيه، فكيف به إذا صار إليه، ودرج بين رياضه ونواحيه! فوصفُ الله لهذا النعيم غذاء للروح في الدنيا، وطرف من ذلك النعيم.

ثم اعلموا أيها المؤمنون أن الله قد أمركم بأمر عظيم وقال فيه قولاً كريماً:{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً}. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا اللهم من الراشدين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين, وأذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين واجعل العاقبة للمتقين.   

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون}. 

فاذكروا الله يذكركم واشكروه؛ يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من آداب سورة الحجرات

    من آداب سورة الحجرات قال الله عزوجل; ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّه...