الجمعة، 8 أغسطس 2025

شهادة أن محمداً رسول الله / خطبة

  شهادة أن محمداً رسول الله   


 الحمد لله الذي أكمل لنا دينه, وأتم علينا نعمته وجعلنا من المسلمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين. إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين. 

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بعثه الله رحمة للعالمين، فبلّغ البلاغ المبين وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فلم يترك من الخير شيئاً إلا دلنا عليه، ولا من الشر شيئاً إلا حذّرنا منه. فجزاه الله عنا خير ما جزى به النبيين وصلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

      عباد الله! اتقوا الله ربكم, واشكروه تعالى على نعمه عليكم, واستغفروه من ذنوبكم ثم توبوا إليه, إنه كان غفوراً رحيماً. 

 واعلموا أن من أجلِّ نعم الله العظيمة علينا أن بعث إلينا  نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: هادياً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. فقد جدّد الله ببعثته ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم , وأحيى به ما اندثر من دين الإسلام. بعثه الله رحمة للعالمين ,وأرسله إلى الخلق أجمعين. فقال سبحانه:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

قال ابن كثير رحمه الله:        " يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } أي: جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين، وأنه مبعوث إلى الناس كافة، قال الله تعالى:{ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ }وقال سبحانه:{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ}."(تفسير القرآن العظيم. (٦/٤١٧).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفس محمدٍ بيده, لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة, يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار ". وقال صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان".متفق عليه.

ثم اعلموا أيها المؤمنون: أن معنى شهادة "أن محمداً رسول الله": هو: الإقرار باللسان, والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله - عز وجل - إلى جميع الخلق من الجن والإنس". ( شرح الأصول الثلاثة لابن عثيمين).

"وهذه الشهادة نطقًا واعتقادًا وعملاً، هي طاعته فيما أمر وتصديقه في جميع ما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الرب تبارك وتعالى إلا بما شرعه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ". (القول السديد لابن سعدي) 

    وتتضمن هذه الشهادة: الإيمان بأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يُعبد, ورسولٌ صادق لا يُكذَّب, بل يطاع ويتبع, لأنه المبلغ عن الله تعالى, فله عليه الصلاة و السلام منصب الرسالة والتبليغ  عن الله, والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه إذ هو لا يحكم إلا بحكم الله, وليس له من الإلهية شيء, بل هو عبد الله ورسوله, كما قال تعالى:{وأنه لما قام عبد الله يدعوه} وقال  :صلى الله عليه وسلم إنما أنا عبدٌ, فقولوا: عبد الله ورسوله".

     ( تيسير العزيز الحميد)

ومما يقتضيه الإيمان برسالته صلى الله عليه وسلم: تقديم محبته على النفس والأهل والولد, وتقديم حقه على حق كل مخلوق .قال الله سبحانه:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. 

وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".

 ـ ومن ذلك: طاعته وإتباع هديه صلى الله عليه وسلم, فلا شك أنه يجب على كل مؤمن طاعة نبيه في كل ما أمره , واجتناب كل ما نهاه عنه, فإن في طاعته الهدى والفلاح, قال الله سبحانه:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }. وقال تعالى:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.

 ـ ومما تقتضيه الشهادة له صلى الله عليه وسلم بالرسالة:

الرضا بحكمه, والتسليم لأمره صلى الله عليه وسلم.

يقول الله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

 ـ ومن ذلك أيضاً: الإيمان بفضائله صلى الله عليه وسلم وخصائصه: فقد اختص الله تعالى نبيه بفضائل عظيمة, فهو أفضل الخلق أجمعين, وخاتم النبيين والشافع المشفع يوم الدين. قال صلى الله عليه وسلم:"أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة". وقال صلى الله عليه وسلم :"فضلت على الأنبياء بست:أُعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأُحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون". وقال صلى الله عليه وسلم :" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر, وبيدي لواء الحمد ولا فخر, وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه, إلا تحت لوائي, وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ". وقال صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون بم؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد, فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعي, وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون, فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه, ألا ترون إلى ما بلغكم, ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض أبوكم آدم, فيأتونه فيقولون يا آدم! أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت, نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى نوح.." – ثم ذكر إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام إلى أن قال:"فيأتوني, فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه. فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي, ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي. ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك, سل تعطه, واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب! أمتي يا رب! أمتي يا رب! فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب.. ".متفق عليه

 ففي هذ الموقف العظيم والكرب الشديد حين يقول كل نبي: نفسي نفسي. وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تشغله نفسه ولا أقاربه وأهله, وإنما يقول صلى الله عليه وسلم: أمتي! أمتي!. فهذا همه في ذلك الموطن وشغله الشاغل. فهل أدركنا مكانة هذا النبي وفضله علينا.

فهو عليه الصلاة والسلام" :سيد الخلق يوم القيامة, وهو الشفيع المشفع, وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود والشفاعة في الآخرة.( شرح الطحاوية لابن جبرين).

      أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا }. 

     اللهم اجعلنا من أتباع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأنصاره.            اللهم وبارك لنا في القرآن والسنة وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..


             °°°°

     الحمد لله ولي الإحسان, أحمده تعالى حمداً طيباً كثيراً على ما أنعم علينا به من نعمة الإيمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم اللطيف المنان، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المختار من عدنان, بعثه الله بشيراً ونذيراً للإنس والجان. صلى الله وسلم عليه وعلى  آلـه و صحابته أولي التقى والعرفان.

      عباد الله: 

اتقوا الله تعالى وكونوا مع الصادقين, واهتدوا بهدي نبيكم, واتخذوه لكم قدوة وإماماً, وتذكروا ما أوجب الله عليكم له من التعظيم, والطاعة والمحبة والنصرة. في قوله عز وجل:{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }.

 ثم لنعلم أننا متى قمنا بذلك خير قيام؛ كنا رفقاؤه في الجنة.كما قال الله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}. وقال سبحانه:{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}. ولنتذكر بعض ما تفضل به صلى الله عليه وسلم عليكم من نصحه, ورحمته, وكرمه, فقد بيّن الله لنا ذلك في قوله سبحانه:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لكل نبيٍّ دعوةٌ قد دعا بها في أمته وخبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة". 

فاعتصموا رحمكم الله بكتاب ربكم العظيم, واهتدوا بهدي نبيكم الكريم, واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ثم صلوا وسلموا عليه فإنه كان بكم رحيماً:" إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً". اللهم صل على محمد وعلى آل محمد,  كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . اللهم إنا نسألك إيماناً لا يرتد ويقيناً لا ينفد, ونسألك مرافقة النبي محمد في أعلى جنات الخلد. اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا اللهم من الراشدين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

 ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

     عباد الله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون}. فاذكروا...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من آداب سورة الحجرات

    من آداب سورة الحجرات قال الله عزوجل; ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّه...