من آداب سورة الحجرات
قال الله عزوجل; ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ• یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرۡفَعُوۤا۟ أَصۡوَ ٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِیِّ وَلَا تَجۡهَرُوا۟ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَـٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ }.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
وبعد:
فالكلام على هاتين الآيتين في ثلاثة عناصر:
الأول:
توضيح معناهما بنقل كلام بعض المفسرين :
قال ابن كثير رحمه الله: "هَذِهِ آدَابٌ ، أَدَّبَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُعَامِلُونَ بِهِ الرَّسُولَ ﷺ مِنَ التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَالْإِعْظَامِ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [وَاتَّقُوا اللَّهَ.. ﴾ ، أَيْ: لَا تُسْرِعُوا فِي الْأَشْيَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ: قَبْلَهُ، بَلْ كُونُوا تَبَعًا لَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ.. ".
( تفسير القرآن العظيم: ٢٤٥/٧ط: الشعب)
وقال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أَيْ لَا تُقَدِّمُوا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَقَوْلِ رَسُولِهِ وَفِعْلِهِ فِيمَا سَبِيلُهُ أَنْ تَأْخُذُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَمَنْ قَدَّمَ قَوْلَهُ أَوْ فِعْلَهُ عَلَى الرَّسُولِ ﷺ فَقَدْ قَدَّمَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ إِنَّمَا يَأْمُرُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
(الجامع لأحكام القرآن ٣٠٠/١٦)
الثاني:
من فوائد الآيتين:
١) وجوب توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وتقديم قوله وأمره وشرعه. فقد قال الله تعالى آمراً بالإيمان به تعالى وبتسبيحه وتكبيره جل وعلا، وبتوقير نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته: {لِّتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا }.
٢) ومن ذلك وجوب التحاكم إلى شريعته سنته .قال الله : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا }
وقال سبحانه: { وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلࣰا مُّبِینࣰا }.
٣) الحذر من التقدم بين يدي حكمه وسنته بقول أو عمل، أو مخالفة شرعه وهديه وحكمه.
فبين تعالى أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم سبب لحبوط العمل فقال سبحانه: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرۡفَعُوۤا۟ أَصۡوَ ٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِیِّ وَلَا تَجۡهَرُوا۟ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَـٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ }. وقال سبحانه أيضاً محذرًا من ذلك:{فَلۡیَحۡذَرِ ٱلَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦۤ أَن تُصِیبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ یُصِیبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ }.
الثالث:
مسألة حكم التقدم بين يدي الله ورسوله، ورفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم .
وذلك منكر وخطر عظيم محبط لعمل من وقع منه، فكما يجب له صلى الله عليه وسلم في حياته من التوقير والتعظيم، فكذلك شريعته وسنته بعد وفاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر، ويحبط عمله بذلك وأنه مظنة لذلك وسبب فيه فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له أو استخفاف به وإن لم يقصد الرافع ذلك فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كفرا، فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفرا بطريق الأولى.".(الصارم المسلول: ٥٩/١).
وقال ابن القيم رحمه الله:
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم. .} إذا كان سبحانه قد نهى عن التقديم بين يديه فأي تقديم أبلغ من تقديم عقله على ما جاء به قال غير واحد من السلف ولا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر.
ومعلوم قطعًا أنّ من قدّم عقله أو عقل غيره على ما جاء به فهو أعصى الناس لهذا النبي صلى الله عليه وسلم وأشدهم تقدمًا بين يديه، واذا كان سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته فكيف برفع معقولاتهم فوق كلامه وما جاء به، ومن المعلوم قطعًا أنّه لم يكن يفعل هذا في عهده إلا الكفار والمنافقون، فهو الذي حكى سبحانه وتعالى عنهم معارضة ما جاء به بعقولهم وآرائهم، وصارت تلك المعارضة ميراثاً في أشباههم كما حكى الله عن المشركين معارضة شرعه وأمره بقضائه وقدره وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله..} أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي ولا تقطعوا أمرًا حتى يكون هو الذي يحكم فيه، ويمضيه. .
والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل وقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول.. فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببًا لحبوط أعمالهم فكيف بتقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطًا لأعمالهم".
( إعلام الموقعين: ٨٦/١. وبدائع التفسير: ١٧٨،١٧٧/٤ )
—
١٤٤٧/٤/٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق