المنافقون والمؤمنون بين وعدين!
قال الله عز وجل في سورة التوبة:
﴿المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعروفِ وَيَقبِضونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنافِقينَ هُمُ الفاسِقونَ• وَعَدَ اللَّهُ المُنافِقينَ وَالمُنافِقاتِ وَالكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها هِيَ حَسبُهُم وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُم عَذابٌ مُقيمٌ﴾.
وقال سبحانه:
﴿وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَيُطيعونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ أُولئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ • وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدنٍ وَرِضوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكبَرُ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ﴾
تأمل قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْنٍ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ كيف جاء بالرضوان مبتدأ منكرا مخبرا عنه بأنه أكبر من كل ما وعدوا به فأيسر شيء من رضوانه أكبر من الجنات وما فيها من المساكن الطيبة وما حوته، ولهذا لما يتجلى الله لأوليائه في جنات عدن ويمنيهم أي شيء يريدون فيقولون ربنا وأي شيء نريد أفضل مما أعطيتنا؟ فيقول تبارك وتعالى: "إن لكم عندي أفضل من ذلك أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
إنَّ رِضا اللَّهِ عَنِ العَبْدِ أكْبَرُ مِنَ الجَنَّةِ وما فِيها. لِأنَّ الرِّضا صِفَةُ اللَّهِ والجَنَّةَ خَلْقُهُ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْنٍ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ ذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾.
وَهَذا الرِّضا جَزاءٌ عَلى رِضاهم عَنْهُ في الدُّنْيا، ولَمّا كانَ هَذا الجَزاءُ أفْضَلَ الجَزاءِ، كانَ سَبَبُهُ أفْضَلَ الأعْمالِ. (بدائع التفسير لابن القيم: ٣٧١/٢)
المقابلة بين الفريقين في الصفات والأفعال المذكورة في الآيات:
المنافقون:
من أعمالهم وصفاتهم:
أمرهم بالمنكر.
نهيهم عن المعروف.
البخل وقبض الأيدي عن الصدقة والنفقة في سبيل الله ومرضاته.
نسيان أوامر الله وتركهم لها.
الفسق…
وكان جزاؤهم :
أن وعدهم الله هم والكفار نار جهنم خالدين فيها ، ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم لا يزول ولا ينقضي.
هذا وقد جاء في القرآن والسنة في أكثر من موضع التحذير من خطر النفاق وصوره وبيان سوء عاقبته، فمن أقبح أعمال المنافقين وكلها قبيحة:
-الكذب والخداع كما قال الله عنهم: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِینَ • یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَمَا یَخۡدَعُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ }.
-ومنها: التكاسل عن الصلاة، والرياء كما في قوله سبحانه: { إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَـٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوۤا۟ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُوا۟ كُسَالَىٰ یُرَاۤءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِیلࣰا }.
-ومنها الاستهزاء بالمؤمنين كما قال الله تعالى: { یَحۡذَرُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَیۡهِمۡ سُورَةࣱ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِی قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجࣱ مَّا تَحۡذَرُونَ }..
فلا جرم أن كانت عقوبة النفاق أشد وأفظع، قال الله جل وعز:{ إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ فِی ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِیرًا } وقال سبحانه:{..إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡكَـٰفِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعًا }..
ولعل فيما ذْكِر موعظة لنا وتحذيرًا من النفاق، وأعمال وصفات المنافقين أعاذنا الله من ذلك.
وأما المؤمنون:
فمن صفاتهم وأعمالهم;
-الأمر بالمعروف
-النهي عن المنكر
-إقامة الصلاة
-إيتاء الزكاة.
-طاعة الله ورسوله.
فكان جزاؤهم :
ما قاله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدنٍ وَرِضوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكبَرُ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العظيم}.
فشتان بين الوعدين، فللمنافقين عذاب النار ولعنة الله والخلود في العذاب الدائم، وللمؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ومساكن طيبة ورضوان من الله أكبر..
ثم أخبر تعالى أن ما تفضل به سبحانه على المؤمنين من النعيم والرضوان هو الفوز العظيم..
فأين هذا من ذاك، أين نعيم الجنات من عذاب الجحيم، وأين لعنة الله من رضوانه؟!
اللهم لك الحمد أن هديتنا للإيمان. اللهم إنا نسألك أن تثبتنا عليه حتى نلقاك وأنت راض عنا ياذا الجلال والإكرام.
—
٨/جمادى الأولى/١٤٤٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق