|
طريق الهداية
|
|
23 شوال, 1435
|
|
|
الهداية
توفيق الله عبده للإيمان به وحده لا شريك له، وإعانته له على العبادة, وذلك
بالاستجابة لكل ما أمره به تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, والبعد عن كل ما
حرم ونهى عنه عز وجل.
في حديث
طويل في صحيح مسلم يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه تعالى
أنّه قال:" يا عبادي كلكم ضاّلٌ إلا من هديته،
فاستهدوني أهدكم ..".
والهداية
إنما تطلب من الله سبحانه, فهو الذي يهدي من سأله وأناب إليه. وقد جعل
لها سبحانه طرقاً وأسباباً من أخذ بها حصل لـه مراده.
فأولها: الإيمان
والعمل الصالح أفضل طرق الهداية وانجع أسبابها, يقول الله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ}. قال ابن كثير رحمه الله:" وإن الله لهاد الذين
آمنوا إلى صراط مستقيم". أي: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرشدهم
إلى الحق واتباعه، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه. وفي الآخرة يهديهم الصراط
المستقيم، الموصل إلى درجات الجنات، ويزحزحهم عن العذاب الأليم".(تفسير
القرآن العظيم :5/ 442). ويقول عز وجل:{إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ
بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ}. قال ابن سعدي رحمه الله:" بسبب ما معهم من الإيمان،
يثيبهم الله أعظم الثواب وهو الهداية فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال
الناشئة عن الهداية". (تفسيره:2/ 305)
فالله
تعالى هو الحكيم العليم بمن يستحق نعمة الهداية من عباده فيتفضل بها
عليه, يكما قال جل وعلا{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ
مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. فإذا
علم الله من العبد قبوله للهداية وحرصه عليها؛ وفقه لها, وثبته عليها، وزاده
هدىً على هدى، كما قال الله سبحانه:{وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}
ومن يستهد
الله ويسـأله الهداية بصدق ؛ يهده الله , ويزيده إيماناً ويقيناً, كما قال
سبحانه:" يا عبادي كلكم ضاّلٌ إلا من هديته،
فاستهدوني أهدكم.. ", وكما قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }.
وثاني أسباب
الهداية وطرقها: "الاعتصام بالله والتوكل
عليه هو العمدة في الهداية..، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول
المراد". (تفسير ابن كثير، 2/ 71). قال سبحانه:{وَمَنْ
يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }وقـال
تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ
إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا }.
ومن
المعلوم أن آكد الأدعية التي تستجلب بها الهداية وأعظمها نفعاً: ما أرشدنا
الله تعالى إليه من قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}, فمن فضل الله
وبره بعباده أن علّمهم كيف يسألونه الهداية، وفرض عليهم أن يتوسلوا إليه بهذا
الدعاء في أعظم سورة من كتابه، وفي أشرف عبادتهم.
قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وإنما فرض عليه من الدعاء الراتب الذي
يتكرر بتكرار الصلوات بل الركعات فرضها ونفلها: هو الدعاء الذي تتضمنه أم
القرآن. لأن كل عبد فهو مضطر دائماً إلى مقصود هذا الدعاء، وهو هداية الصراط
المستقيم، فإنه لا نجاة من العذاب إلا بهذه الهداية، ولا وصول إلى السعادة إلا
بها. فمن فاته هذا الهُدى فهو إما من المغضوب عليهم وإما من الضالين. وهذا
الاهتداء لا يحصل إلى بهدى الله:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ
وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا }.(جامع الرسائل,
تحقيق محمد رشاد سالم1/99).
وينبغي
لمريد الهداية أن يستكثر من الأدعية النبوية الصحيحة في ذلك ومنها: قوله صلى
الله عليه وسلم: "اللهم رب جبرائيل
وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين
عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي
من تشاء إلى صراط مستقيم". وقوله:" اللهم أهدني فيمن
هديت..". وقوله صلى الله عليه وسلم: "
اللهم اهدني وسددني". وقوله:"
اللهم اهدني ويسر الهدى لي ".
ومن أسباب الهداية: الإنابة
والرجوع الله عز وجل ، وذلك علامة قبول العبد للهداية، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}.
قال البغوي
رحمه الله : " أي: يهدي إليه من يشاء الإنابة، وقيل يرشد إلى دينه من رجع
بقلبه".(معالم التنـزيل:3/353). وقال ابن كثير رحمه الله :" يهدي من
أناب إلى الله، واستعان به وتضرع لديه ". ( تفسير القرآن العظيم:4/376).
ومن أسباب
الهداية: المجاهدة في الله, فلقد جاء الوعد الكريم
من الله تعالى بالهداية لمن جاهد فيه، وبذل وسعه في طلب الهداية، وسعى إليها
بكل سبيل ممكن مشروع: من الإيمان بالله، والاعتصام به، والإنابة إليه، ثم جاهد
نفسه فمن كان كذلك؛ كانت الهداية جائزته على صدق الإيمان والمجاهدة, كما قال
سبحانه:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
خامساً : طاعة
الرسول صلى الله عليه وسلم :
جعل الله
سبحانه هذا السبب من أسباب هداية الدلالة والبيان مرتبطاً بهداية التوفيق
والإلهام، بمعنى أن من قَبِل هداية الدلالة والإرشاد من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكتاب الله تعالى؛ قاده ذلك إلى توفيق الله تعالى، فالله يهدي من
أطاع رسوله واتبعه، واهتدى بنور القرآن.
وقد بيّن
الله أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه سبب للهداية، فقال تعالى:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} وقال سبحانه:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
وهب لبا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق