الاثنين، 11 مايو 2015

الجمع بين آية (فانجينا الذين ينهون عن السوء ) وحديث أنهلك وفينا الصالحون؟

قول الله تعالى:{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} 
وقوله: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }.
وبين حديث زينب رضي الله عنها الذي قال في النبي صلى الله عليه وسلم:" ويل للعرب من شر قد اقترب،  فتح اليوم من ردم  يأجوج ومأجوج  مثل  هذه، قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث..".

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه,  وبعد: فأعلم نوّر الله بصيرتك أنه لا تعارض بينها ويمكن الجمع بينها، ويتبين ذلك بتأمل كل آية وسياقها. وتأمل الحديث كذلك.
فالآيتان ليس بينهما تضاد.   
فآية سورة الأعراف في قصة هلاك اليهود المعتدين في السبت, كما فيما سبقها من الآيات.
وأما آية سورة الأنعام فتبين عدل الله تعالى في حكمه, فلا تحمل نفس وزر أخرى وإثمها. كما قال سبحانه:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا}ْ.قال ابن كثير هذا: إخبار عن الواقع يوم القيامة.
وأما الآية الأولى من سورة الأعراف، فعند التأمل فيها تجد أنها لا تعارض الحديث. ويمكن الجمع بينهما، وذلك بملاحظة ما يلي:
    أن الآية في سياق عذاب الله لأصحاب القرية الذين اعتدوا في السبت. فنهاهم جماعة منهم وأنكروا عليهم ذلك. ولم يرتدع المخالفون عن فسقهم؛ فأحل الله بهم عذابه الشديد، وأنجى الذين نهوهم عن هذا المنكر كما في الآية.
 وهذا يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمان من عذاب الله وعقابه. ويشهد لذلك قوله تعالى:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }
وكذلك ما جاء في الحديث:" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ". صحيح ابن حبان والمعجم الأوسط للطبراني. وصححه الألباني
يتبين من ذلك أن الله أهلك المجرمين المعتدين في الصيد في يوم السبت. بعد أن نهاهم المصلحون منهم، فلم ينتهوا. فأحل الله بهم العذاب الشديد.
      فأما المصلحون الذين ينهون عن الفساد. فإن الله لا يهلكهم، وإنما ينجيهم برحمته سبحانه، كما في الآيتين.
     والشرط هو الإصلاح وليس الصلاح. والمراد بالإصلاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهو الذي يدفع العذاب وليس مجرد الصلاح.
    وأما حديث زينب رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الهلاك يقع مع وجود الصالحين. إذا كثر الخبث. وكثرة الخبث إنما تحصل بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم وجود الإصلاح. وهذا يشهد لما ذُكر آنفاً.
     ومن هذا الباب أيضاً حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم. قالت يا رسول الله: يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم من ليس منهم. قال صلى الله عليه وسلم: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم ". فهذا الحديث يدل على أن العذاب عام. وهلك فيه من ليس منهم.
والسبب ظاهر. فإنهم لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، وإنما كانوا معهم، وفي هذا خطر تكثير سواد أهل الشر والمعاصي. ومخالطتهم. فإن العذاب إذا نزل عم الصالح والطالح.
كالذين كانوا في هذا الجيش, وهم ليسوا منهم، أي: ليس قصدهم غزو البيت، ومع ذلك خسف بهم. وقد حصلت منهم مخالفتان. الأولى: تكثر سواد هؤلاء. والسير معهم.
والثانية: عدم الإنكار عليهم, واعتزالهم.
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم باعتزال الفتن. فقال:" من سمع بالدجال فلينأ عنه ". لأن شهود فتنته يقود إلى التأثر بها، والافتنان بها ولا بد، كما بينته بعض روايات الحديث.
    فإذا تبين ذلك. فإن حديث زينب رضي الله عنها. ليس من هذا الباب.
وإنما المقصود منه: التحذير من الشرور عموما, ومن شر يأجوج ومأجوج خصوصاً.
وقد ظنت رضي الله عنها أن خطرهم يشمل المؤمنين ويصل إليهم، وذلك ليس في الحديث. وإن كان فيه بيان خطر الفتن عموماً. ويشهد لذلك أنه ليس في الحديث أنهم هلكوا، وإنما قالت: " أنهلك وفينا الصالحون ". فأجابها صلى الله عليه وسلم بقوله: " نعم ". ولكن بشرط: " إذا كثر الخبث ". أي: إن كثرة الخبث مهلكة للصالحين, عياذاً بالله! وليس في الحديث أن المؤمنين هلكوا. وإنما يبقى من الناس بقية، وهم المؤمنون،كما في الحديث: أن الله يقول لعيسى عليه السلام يومئذ:"حـرّز عبادي إلى الطور".  فيتحصن عيسى والمؤمنون معه في الطور. حتى يهلك الله يأجوج ومأجوج.
يراجع الحديث في صحيح مسلم. وفيه:
" .. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ..."


                                                                     13/5/1428

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ياطالب السعادة

  ياطالب السعادة!   اعلم وفقني الله وإياك: أنّ السبب الجالب للسعادة في المقام الأول هو تقوى الله في السر والعلن، وأن مآل المتقين إلى الجنة، ...