القرآن والإعجاز العلمي .
الإعجاز العلمي: يقصد به دراسة حقائق كونية أو طبية
.. لم تكن معروفة
فيما مضى, تخضع للبحث ليتم إثباتها بالعلم التجريبي، أو اكتشافها بالأجهزة
الحديثة.
غير أنّ السلف الصالح رحمهم الله لم يكونوا يهتمون أو يلتفتون إلي هذا النوع
من العلوم، لا لقصور في أفهامهم، فهم أعرف بكتاب الله وأحرص على العلم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فهذا الموضوع من فضول العلم،
الذي لا يفيد المسلم في دينه وعبادته، ولا يضره الجهل به، ومع كونه قليل الفائدة فهو
خطر من جهة أخرى كما سأبيّن ذلك بعد قليل.
فأي مسألة من مسائل الإعجاز العلمي إذا لم تعارض القرآن أو الحديث الصحيح، فلا بأس بالاطلاع عليها كسائر
العلوم المباحة.
لكن يجب
أن نعلم أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى: معجز في نظمه وبيانه, وفي أخباره
وأحكامه وهدايته..، لم تنته الجن حين سمعه جماعة منهم أن قالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا
عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}. وشهد له بذلك فصحاء العرب ورؤوس
الكفر منهم كما قال الوليد بن المغيرة: "والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة،
وإن عليه لطلاوة، وإنه لـمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم
ما تحته".
ألّف
العلماء في الإعجاز كتبا منها : دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، وإعجاز
القرآن للباقلاني, وإعجاز القرآن للرافعي وغيرهم كثير.
ولكن يجب أن يُعلم أنه من الخطورة بمكان، أن يقال: أثبت العلم أو اكتشف بهذه الدراسة والاختراع صحة كذا وكذا، وقد أشار القرآن إليه، فهذا يدل على صدق القرآن ويثبت صحته! فهذا القول يظن صاحبه أنه ينتصر للقرآن! وهو في الحقيقة يطعن في القرآن , فإن معنى ذلك أن القرآن يحتاج ثبوته لحجة من دراسة أو اكتشاف علمي يشهد له. "فكأنه محل شك وخلل، شأنه شأن
النظريات العلمية والفرضيات التي تحتاج لإثباتها والتدليل عليها". والله عز
وجل يقول:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }.
فإذا تبين لنا خطر هذا القول أو المفهوم، فليعلم أن القرآن - والسنة - كتاب هداية وبيان لحق الله تعالى على عباده، ومنهج الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.
وهو الشاهد وهو البرهان للحق. لا يحتاج لبرهان أو شاهد يشهد له. بل هو كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا).
وللسلامة من هذا المنزلق
الخطر، يقال
مثلا: إذا صح بحث أو اكتشاف نظري أو عملي ولم يعارض النصوص الشرعية، فلا بأس أن يبحث لذلك عن دليل من القرآن يستشهد
به
و
يكون
حجة له.
فالقرآن إنما أنزله الله لهداية الناس لعبادة الله وتوحيده، وبين لهم طريق الجنة والعمل الموصل إليها، وطريق النار والعمل الموجب لغضب الله وعذابه.
وما ورد في القرآن مجملا بينه رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {..وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
وكل مسلم يعلم أن أشرف العلوم علم القرآن الكريم تلاوة وتدبرا وحفظا وتفسيرا وعملا..
وقد فسر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم ما يحتاج الناس لتفسيره من القرآن.
فالواجب على المسلم كما يتلو القرآن أن يتدبره ليعمل به على بصيرة. (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). والمقصود بالتدبر أن يقف متأملا كلام الله ويتعلم ما أشكل عليه من تفسيره، ليتضح له ما بين يديه من الآيات فيهتدي بما فيها من العلم الذي يكسبه خشية لله في قلبه كما امتدح الله هذا الصنف من عباده فقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ }. عند ذلك يطمئن قلب المؤمن وتنفتح له أبواب الهداية لما أراد الله منه كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
وبناءً عليه فلا يجوز تفسير كتاب الله لغير العلماء الثقات المتخصصين.
كما لا يجوز أن يخضع القرآن للنظريات والاكتشافات الحديثة, بل الواجب اخضاع كل العلوم, وأمور الحياة له, فما كان صحيحا وشهد له القرآن, يقال عنه: هذا البحث يشهد له من القرآن كذا وكذا.
والمحذور في مسائل الإعجاز العلمي العددي أو الطبي أو الفلكي أن يصادم نصا
قرآنيا أو حديثاً نبويا صحيحاً, أو أن يقال عن شيء من مسائل
الإعجاز
أنه تفسير للقرآن.
أو سر من أسراره لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يطلع الأمة عليه.
أو يراد به إثبات أن القرآن الكريم كلام الله, أو نحو ذلك من
الأقوال المُنكرة.
وبالله التوفيق.
……………………………………………
1438/4/20
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق