بلا
عنوان!
عندما تجد من نفسك رغبة في تناول موضوع مهم وقد جمعت عناصره تود أن تجعل له عنوانا مناسبا للغرض منه، ويكون مفتاحا للقارئ يدخل منه للموضوع.
لكنني هنا رأيت أن يكون عنوان مقالي(بلا عنوان) وكنت قد عنونته أولاً ب( المفتونون بالإرهاب ) لكنني لما نظرت في أمر هؤلاء الأغمار وأفعالهم، وحقيقة مذهبهم رأيت أنهم أول ما يعمدون إليه هو التخلي عن هويتهم ، فيعادون أقرب الناس إليهم، ويلغون انتماءهم لبلدهم، فيمزقون بطاقات إثبات الشخصية فيصبحون بلا هوية فعلا ، وبلا عنوان. خارجون عن جماعة المسلمين، تتقاذفهم أهواء الفتنة التي أُشّرِبوا حبها.
فمن هنا يمكن القول بأنّ المفتون بمذهب الخوارج لا يميز بين الحق والباطل غالباً، ولا بين المصلحة والمفسدة.
يحكم على الأشياء بما يمليه عقله القاصر وفهمه الساذج، فيطلق أحكامه جزافا بلا تعقل أو رويّة!
كما فعل إمامهم ذو الخويصرة حين انتقد النبي صلى الله عليه وسلم في قسمته للغنائم، فقال دون أدنى تحرّج: هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله!
وخرجوا على الخليفة الراشد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقتلوه. ثم تشعّبت بهم الأهواء وتفرقوا شيعا وأحزابا.
يكفِّرون بالمعصية ويستبيحون الدماء المعصومة بلا دليل ولا برهان.
وللأسف فقد تسلل فكر الخوارج إلى عقول بعض الشباب ففتنوا بالأفكار الضالة واعتنقوا هذه البدعة المضلة، واستجابوا لدعاة الفتن ووقعوا في شباكهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، لا يضيّرهم أن يتحالفوا مع أي نظام أو مذهب أو طائفة معادية.
ومن خلال جرائمهم التي قاموا بها تبيّن بما لا شك فيه أنّ هؤلاء السذج قد اختطفوا واستغلوا ليكونوا مطايا مذللة لأصحاب المصالح الدنيئة المشبوهة من المنافقين والأعداء الصرحاء، بل أضحوا لعبة تصنعهم أيدٍ أجنبية وعقولٌ حاقدة، ينفذون مخططاتهم ويحققون لهم مآربهم، فيخسرون أنفسهم وأهليهم، ويستجلبون سخط الله بما يقترفونه من الجرائم وترويع الآمنين.
فهل يعقل أن يكون المسلم عدوًّا لأهله محاربًا لأمته، ومصدر قلق وفساد لبلده ؟
أين هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم ".؟!
وقوله في خطبة حجة الوداع: "إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرا م كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".
ألم يدرك هؤلاء المفتونون أنهم بأفعالهم هذه الإجرامية وعقولهم الضالة أنهم أصبحوا أدوات هدم وسلاح غدر بيد العدو بما يقومون به من هذه الأعمال الإرهابية التي صاروا وقودا لها قبل غيرهم.
فمتى يشعر هؤلاء أنهم أصبحوا حطب الفتنة التي أشعلوها، وباعوا نفوسهم رخيصة لشياطين الإنس والجن، فأضاعوا مستقبلهم في الحياة الآمنة في الدنيا، واستعاضوا عن ذلك بعداوة أهليهم وبلدهم، وعذاب الآخرة.
فهل يُعقل أنه لم يبلغهم التحذير الشديد من الاجتراء على دماء المسلمين في قول الله عز وجل: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا".
فمتى وقع الإنسان في ورطة عظيمة وداهية شديدة، فلوّث يده بالدماء المعصومة؛ عندها يعظم عند الله جُرْمه، وتسوّد صحيفته، وتضيق عليه نفسه، وتأكل الحسرة قلبه. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "إن مِن وَرَطاتِ الأمورِ، التي لا مخرج لمن أَوقعَ نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حلِّه". صحيح البخاري
وبعد: فاسألوا هؤلاء المفتونين هل شاركوا في نهضة بلدهم، أم هل جاهدوا اليهود في فلسطين، أم قاتلوا الحوثيين في اليمن حين عاثوا في دماء المسلمين، هل قدّموا خيرا لأنفسهم أو لبلادهم.
اسأل نفسك أيها الجاهل الأحمق: ما هو موقف والديك وأهلك الذين حلت بهم مصيبتك، وفجعتهم بفعلتك المنكرة؟
وما هو مصيرك يا ترى في الآخرة، وقد سفكت دماء المؤمنين؟
هل تتقرب بها إلى الله، وترجو بها جنته ورضاه؟
اعلم أنك إن لم تتب من هذه الفتنة التي أوقعت نفسك فيها وسعيت لإغواء الجهلاء من أمثالك أنك تبوء بإثمك وإثم من فتنتهم بفكرك الضال.
وإنّ ما تنفّذه وتخطط له من الجرائم والمنكرات إنما هو ضلال عن صراط الذين آمنوا وسلوك لسبيل الأعداء الماكرين.
قال الله عز وجل:{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء..}.
وإنما تبني الأمم نهضتها بصحة العقيدة والتربية المستقيمة والعلم وحسن التدبير وجمع الكلمة، وليس بالتفجير والتدمير والتخريب وترويع الآمنين، وإزهاق دماء المعصومين.
ولعلاج مشكلة هذا التطرف وتجفيف منابع الشر لدى الشباب المفتون بالإرهاب يجب الاهتمام بقضايا الشباب عموما.
وتشجيعهم على مواصلة التعليم خصوصا الشرعي منه، وتشجيع حِلق العلم وتحفيظ القرآن وتعليم السنة، فكل هذه محاضن أمينة ومأمونة وكفيلة بإذن الله تعالى بإعداد الشاب الواعي المتزن.
كما تجب رعايتهم بالمفيد الهادف من برامج التربية والتثقيف، والتدريب والتأهيل الوظيفي الذي يكفل مصدر الرزق الحلال، كيلا يبقى الشاب نهبا للأفكار الضالة، وصيدا ثمينا للأعداء المتربصين.
والله ولي التوفيق.
...............................................
محمد بن
علي بن
محمد الشيخي
1438/4/29
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق