الاثنين، 26 أغسطس 2019

الداء الخفي..

الداء الخفي.

إذا كان الإنسان كلما عمل عملا، أو أدى واجبا أحب أن يمدح ويثنى عليه به، فليعلم أنه على خطر.
ومتى وجد من نفسه رغبة في المدح، أو تعرّض له فتلك أولى مراحل الخطر. 
فإن أراد السلامة فليصرف ذلك من أول خاطر، وإن أهمله فقد يصبح أسيرا للثناء مستشرفا له، ولا يزال ذلك دأبه، حتى يقع في المرحلة الثانية من الخطر، وهي : 
الإعجاب بالنفس والعمل، فلا قصد له غير ذلك، فإن لم يحصل له المدح تكدر خاطره.!
وهنا يظهر على حقيقته، وأنه إنما يعمل لأجل الناس، وليقال: فلان كذا، وفلان وانعِم به، ومن كمثل فلان..!
ولا يزال طالبا للثناء والإشادة به حتى يقع في الإعجاب بنفسه، والإدلال على الله بعمله، وينسى توفيق الله له وهدايته لهذا العمل فينسب ذلك لنفسه، فتتحقق خسارته ويسقط في المرحلة الثالثة من الخطر، فيقع في الشرك الأصغر.
مغالطة:
وقد يقول أليس قد ورد أنه:[ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ:" تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ].؟!( مسلم:٢٦٤٢ )
بلى، هو كذلك، ولكن هذا لم يطلب المدح، ولم يحرص عليه، وإنما جاء عرضا بغير قصد. قال النووي في شرح صحيح مسلم:"هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم ، وإلا فالتعرض مذموم" .(١٨٩/١٦ )
ومانحن فيه خلاف ذلك، فمن تأمل الكلام من أوله اتضح له المقصود.
لذلك يجب الحذر من الإعجاب بالعمل أو طلب المدح عليه، فقد يصبح ثناء الناس هو الغاية والقصد ثم تُبذل النفس طلبا له. من فعل ذلك فقد باع أغلى مايملك بأبخس الأثمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ : كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ : كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ : كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ] .( مسلم:١٩٠٥) 
ويقول صلى الله عليه وسلم:[ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ؟ ". قَالَ : قُلْنَا : بَلَى. فَقَالَ : " الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ ؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رجل].(ابن ماجه٤٢٠٤، وحسنه الألباني).
فعلاج هذا الداء الخطير عافانا الله جميعا منه: 
هو بتفقد النية قبل العمل وبعده، والإخلاص لله سبحانه {..فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.وكما أخبر عز وجل عن عباده الأبرار فيما حكاه عنهم من قوله:{ إِنَّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكورًا}.
وكفارته الدعاء المأثور:
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم.

………………. 
١٤٤٠/١٢/٢٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النتقون

                           المتقون  بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..  وبعد:  فإنّ المتقين هم المتصفون بالتقوى،  وهي فعل أ...