الأربعاء، 25 مايو 2022

دوام الحال في الدنيا من المحال.

            دوام الحال في الدنيا محال

يصاب الإنسان بالمصائب وتتناوبه الشدائد، وما من أحد يسلم من ذلك. 

هذا مريض كان بالأمس صحيحًا، وذاك مدين، وآخر أضر به الفقر بعد غنًى كاد أن يطغيه، ورابع مغترب فارق الأهل والوطن، وذاك شابٌ صرعه الأجل وهو في ريعان الشباب.! 

خبروني بالله عليكم: من سلم من النوائب؟

 ومن ذا الذي صفا له العيش طول عمره..؟ 

كم من غني تقلبت به الأيام فأصبح بين عشية وضحاها فقيرًا يستجدي قوت يومه؟

كم من صحيح أمسى عليلاً؟

وكم من ذي مكانة ورياسة ذل بعد عز؟

هذه بعض المصائب التي تدل على أن الدنيا عيشها حقير وعمرها قصير.

يامن لا يعجبه هذا الكلام.. ويستوحش منه، ولعله أن يقول: أنا لا أنظر إلا إلى الجانب المشرق حيث تكون النعم، ورونق العيش ورفاهية الحياة، أنا لا ألتفت إلى الزوايا المعتمة والجوانب المظلمة. 

أقول:

 لك الحق في ذلك..، والدنيا فيها الخير والشر. ولكن أنت تنظر بعين واحدة ترى بها ما تود رؤيته، وتغض طرف الأخرى عن ما لاتحب. فلعلك إن بقيت على هذا الحال من الغفلة، أن يفجأك حدث مؤلم لم يخطر ببالك يومًا، فتجزع جزعًا يخرجك من فِناء الصبر إلى دائرة الجزع، وأنت السبب فيما أصابك، فإنك لم توطّن نفسك على مر القضاء والاحتياط للبلاء بالصبر والرضا. 

ألا تعلم أن هذا هو حال الدنيا، وأن خيرها مشوب بالحوادث المؤلمة ، وأن يوم السرور يعقبه يوم الحزن.  

طبعت على كدر وأنت تريدها 

                         صفوًا من الأكدار والأقذار

ومكلف الأيام غير طباعها

                       متطلبٌ في الماء جذوة نار. 

اعلم أن الدنيا لم تصفُ لأحدٍ من الناس مهما بلغ من الجاه أو الصحة والغنى…  

خذ هذه الفائدة واعتبر: 

مات الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث(الناصر) بعد أن قضى في الحكم خمسين عامًا ، وحّدَ الأندلس، وازدهرت قرطبة في عهده وأصبحت حاضرة المعرفة ، وبنى مدينة الزهراء أعجوبة الزمان ، ومع ذلك اقتصرت أيام سروره في الدنيا على أربعة عشر يومًا! فقد وُجِد بخط يده ،أيام السرور التي صفت لي دون تكدير في مدة سلطاني، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا.  

فعُدّت تلك الأيام فوُجِدت أربعة عشر يومًا.

ولعلك تقول:  قد كدرت خاطري بما وصفت، 

فهل لذلك من مخرج؟

أقول: نعم. الأمر يسير بحمد الله، ذكّر نفسك أنك في دار الابتلاء، وأن الإنسان يصيبه الخير والشر، والشدة والرخاء، وقد شرع الله الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، فوطّن نفسك على ذلك، ولا تسخط إن أصابك ما تكره، ولا تبطر إذا نلت ماتحب، وسل الله أن يرزقك العفو والعافية والصبر والشكر.

وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن عِظَم الجزاء مع عِظم البلاء، وأن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".

____________________

محمد بن علي الشيخي

    ٢ / شوال/١٤٤٣

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من آداب سورة الحجرات

    من آداب سورة الحجرات قال الله عزوجل; ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّه...