قصة استضافة..
دعوة لتناول طعام الإفطار في مطعم شعبي تراثي.
اتصل أحدهم بصديقه ذات مساء قائلاً له:
أدعوك غدًا لتناول طعام الإفطار معي في مطعم مشهور بأنواع جيدة من الطعام..
حاول صديقه الاعتذار، ولكنه لم ينجح، فقد كان إصرار صديقه على الدعوة بحيث لا يقبل الاعتذار ولا التأجيل.
ثم تقابلا في الموعد والمكان المحدد..
حيّا كلٌ منهما صديقه وتصافحا، ثم انطلقا بسيارة صاحب الدعوة…وفي أثناء الطريق تجاذبا أطراف الحديث حول فوائد السفر وأحوال بعض البلدان والأماكن التي تستحق الزيارة، وأفاضا في الحديث حتى وصلا إلى مطعم صغيرٍ في ناصية شارعٍ متفرع من حي عتيق، كانت لكل منهما فيه ذكريات...
دخلا المطعم، وطلب الداعي الطعام...
وبينما يجهز الطعام انتقل حديثهما من أخبار السياحة والسفر إلى الحوار التالي:
الداعي: هل يمكنني طرح بعض التساؤلات التي تهمني وأحتاج منك الجواب عنها.
الضيف: بكل سرور.
الداعي:
أيهما أحب إليك شخص ينصحك إذا أخطأت، أم من يعلم أنك على خطأ فلا ينصحك؟
الضيف: الناصح أحب إليّ بالطبع.
الداعي:
ما هي درجة تقبلك للنصيحة ؟
الضيف:
بحسب صدق الناصح، وأهمية النصيحة لي.
الداعي:
إذا أخطأت هل تشعر بخطئك؟
وهل تعمل على تصحيحه؟
الضيف:
نعم، وبكل تأكيد أحاول تصحيحه. ولعلك تقصد أسباب الوقوع في معصية ما كالنظر المحرم مثلاً.
الداعي:
نعم هذا ما أقصده.
الضيف:
من طرق علاج المعصية معرفة الأسباب التي تدعو لذلك ، وتركها والبعد عنها، والسعي لسد الحاجة بالبديل المشروع، كالزواج، وصيام العاجز عنه..
الداعي: لدي سؤال مهم جدًا بالنسبة لي، وهو: تكرارك نفس الخطأ ماذا يعني لك؟
الضيف:
أعتذر عن الإجابة.
الداعي:
لماذا؟ هل لحساسية السؤال..؟
الضيف:
كلا، ولكن لأن نادل المطعم يناديك لتدفع له الحساب.
الداعي:
أحسنت إذ ذكرتني، سأعود إليك بعد قليل.
أخذ الضيف يفكر في أسئلة مُضِيفه، ويقول في نفسه، لا أدري هل هذه دعوة ضيافة، أم جلسة محاكمة..
وبينما كان مستغرقًا في تفكيره إذا بصديقه قد عاد إليه، وفي صحبته النادل يحمل أطباق الأطعمة الشهية، قِطع من السمك المشوي يتصاعد منها الدخان ورائحة الشواء تغطي المكان، وطبق آخر مطبوخ بالخضار… والخبز والسلطات. وما لذ وطاب.
شَرَعا في الأكل.. ثم استأنفا الحديث:
الداعي:
لم تجبني على سؤالي.
الضيف: كثيرة هي الأسباب التي تدعو الشخص لتكرار الخطأ نفسه، أو بتعبير آخر: السير في الإتجاه الخطر مع العلم بالنتائج السيئة المرتقبة، ولا يزال مستمرًا على ذلك دون حياء أو خوف.
الداعي:أوافقك على ذلك. ولكنني لا زلت بانتظار الإفادة والجواب.
الضيف: أعتقد أن أهم الأسباب التي تدعو إلى تكرار الذنب أو أي خطإ يرجع لكون هذا الشخص قد قطع مراحل عديدة منه، واتبع خطوات الشيطان حتى أصبحت لديه الجرأة على مواصلة السير غير مبالٍ بالنتائج الوخيمة التي تنتظره.
ومنها: مصاحبة قرناء السوء، لا كثرهم الله.
الداعي: فعلاً جواب مسدد، ينبغي بل يجب على كل عاقل التنبه لذلك.
يواصل الداعي قوله:
ماهو شعورك عندما يطّلع عليك أحدهم وأنت على معصية؟
الضيف: عاجز عن الجواب، ولكني أحيل السؤال إليك..
الداعي: الحقيقة يصعب التعبير عن ذلك، فهو أمر شديد الوقع على النفس، ومحرج ومحزن للغاية، لا يتصور ذلك إلا من وقع فيه.
هنا وجد الضيف نفسه آخذًا بزمام المبادرة في المناقشة، فوجه لمُضِيفه السؤال التالي:
تُرى لو أن عزيزًا ذا مكانة رآك وأنت على حالٍ غير مرضية، هل تظن أنك سقطت من عينه؟
الداعي: بلا شك.
الضيف: تخيل لو أن هذا العظيم كان رب العالمين جل وعلا.
عندئذ صعق الداعي وبُهت عن الجواب.. وتوقف عن تناول الطعام، و أخذته سعلة...فمد يده لزجاجة الماء شرب..
وصمت برهة قبل أن يجيب.
ثم قال: كلنا يعجز عن تصوّر هذه الحالة، فضلاً عن الإجابة.
والحقيقة أنّ مراقبة العبد لربه وتعظيمه سبحانه، سبب قوي يمنع الوقوع في الذنب.
الضيف: لا بأس، لننتقل لسؤال أيسر وأهون منه: فهل يمكنك تدارك ذلك؟
الداعي:
نعم، بالتوجه إلى الله بصدق أن يقيل العثرة، ويكفّر الخطيئة، ويغفر الزلة..
الضيف:
ألا ترى أخي الغالي أن السلامة من هذا الموقف، نعمة عظيمة، كما أن الوقوع في هذه المصيبة كسر لا يجبر، إلا أن يشاء الله .
ثم أردف قائلاٌ:
الحقيقة أنه يجب علينا جميعًا الحذر من ذلك، فعثرة كهذه لا تقال. وأن لا يجامل أحدنا نفسه وهو يعلم أنه سائر في طريق الخطأ. بل يقف معها وقفة محاسبة، وتصحيح مسار، ثم ينظر ما يراه الأصلح فيبادر إليه.
فإن كان تقصيرًا في واجبٍ يتداركه.
و إن كان ذنبًا، فليتب منه، ويقلع عنه.
ويجعل هذه الحقيقة نصب عينيه:
أنه إن أهمل نفسه فلم يحاسبها ويقوّمها فإنه مفرطٌ، وظالم لنفسه.
ويكون على يقين أن العمر فرصة واحدة، لا يُعوض منه ما فات.
ولكن يمكن اتباع الذنب بتوبة نصوح، ونية وعزيمة صادقة، فمن كان في غفلةٍ وتكاسلٍ، فليبادر وليجتهد.
وإن كان محسنًا فليستكثر من الطاعات، وليحمد ربه الذي وفقه، ويسأله العون والثبات.
الداعي: أخي الحبيب، لقد أحسنت إليّ اليوم باجابتك لدعوتي، وأحسنت أيضًا بهذه المحاورة النافعة التي تعبّر عن الشعور الأخوي الصادق.
الضيف: الحقيقة كلانا محتاج لمثل هذه المناصحة، فأشكر لك استضافتك وكرمك، وتفضلك بهذه الكلمات الطيبة و التنبيهات اللطيفة.
الداعي:
استودعك الله..
الضيف: في أمان الله .
_____________________
محمد بن علي الشيخي. ١٤٤٣/١٠/٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق