أدواء القلوب
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي له الثناء الحسن والشكر الجزيل. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين. وأشهد ان نبينا محمداً عبده المصطفى ورسوله الأمين بعثه الله رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم تفلحون، وتفكروا في نعم الله عليكم لعلكم تشكرون, واعلموا أن الله الخلاق العليم قد خلق الإنسان في أحسن تقويم. وزوّده بنعمة العقل والفؤاد والسمع والبصر وسائر الجوارح.
وجعل الله تعالى القلب بمثابة الملك للجوارح والأعضاء, فإذا استقام القلب وصلح صلحت سائر أعضاء الجسد وإذا فسد فسدت سائر الجوارح . كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب".
وقال عليه الصلاة والسلام:" القلوب أربعة: فقلبٌ أجرَدُ فيه سراج يُزهِر، فذلك قلب المؤمن. وقلبٌ أغلَفُ، فذلك قلب الكافر. وقلبٌ منكوس، فذلك قلب المنافق. وقلبٌ تُمِدُّه مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق، وهو لما غَلَبَ عليه منهما".
والقلب ترد عليه الأدواء , وتصيبه الذنوب . وإن من طبيعته التقلب. فإنه قلّ أن يثبت على حال, تنازعه الوسواس والخواطر, وتعترضه الفتن والشكوك والشبهات المضلة, وتتقاذفه الشهوات المحرمة. فمن غفل عن قلبه أصابته تلك الأدواء فقد تمرضه وتفسده أو قد تميته: لذلك يجب على المؤمن أن يكون حريصاً على حياة قلبه وصلاحه, وذلك بكثرة ذكر الله وتلاوة القرآن وتدبره وكثرة الطاعات ودعاء الله والرغبة إليه في صلاح القلب وثباته على الحق . فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء قوله:" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". فتقول عائشة رضي الله عنها , يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء! قال: ما من قلب من قلوب العباد إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء. وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم أيضاً:" اللهم مصرف القلوب والأبصار صّرف قلوبنا على طاعتك".
والموفق يا عباد الله من يحرص سلامة قلبه من كل ما يضره من الشبهات والشهوات, ويحميه من كل ذلك أن يصيبه, فإن الوقاية من الشر والضرر قبل حصوله أهون وأسلم عاقبة.
وإن أعظم ما يحمي القلب من الأدواء والأخطار تقوى الله وخشيته وتعظيمه, وأن يعمر بدوام ذكر الله وتلاوة القرآن, فقد جعله الله هدى وشفاء كما في قال سبحانه:{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}. وقال تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}. وقال أيضاً:{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
فليحرص كلٌ منا على سلامة قلبه من فتن الشبهات, بطلب العلم الشرعي وتحصيل القدر الذي فيه كفايته ونجاته, وليكن في مقدمة ذلك تلاوة القرآن وتدبره، وبذل الوسع في الاطلاع على سنة النبي صلى الله عليه وسلم من مصادرها الصحيحة ,ليكون ذلن عونا له على تمييز الطيب من الخبيث, ويعرف الحق من الباطل والنافع من الضار. مهتديا بنور الوحي والشرع المطهر.
فإن الإنسان متى تحصن بالعلم الشرعي كان ذلك عونا له من الله على دفع ما يعرض له من الفتن والشبهات والشهوات, وصار ذلك بمثابة السلاح لدفع هذا الخطر, والعلاج الناجع لذلك البلاء والمرض قبل أن يصيبه .
وكذلك يكون الحال مع من اعتراه شيء من الوسواس والشبهات وأدواء القلوب: من القسوة , أو الران وهو: ما يعلو القلب من السواد بسبب الذنوب كما قال تعالى:{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}. قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إنّ العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه، فهو الران الذي ذكر الله". فيجب على من أحسّ بأنه قد أصابه شيء من ذلك أن يبادر إلى علاج قلبه, وطلب الشفاء له من القرآن والسنة، فإن فيهما شفاء الأسقام , وجلاء الوساوس والأوهام.
عباد الله :
وكما أن المرض الذي يصيب الجسد تبدأ أعراضه يسيرة وفي أغلب الأحيان يمكن مداواته بسهوله ويسر, فكذلك عندما يشعر الإنسان بأن قلبه قد تعرض لشيء من الشبه أو الفتن, وإن كان الأمر في نظره أنه يسير, ولكن البلاء إذا أهمل استشرى وعسر علاجه, فالواجب المبادرة باقتلاع أسباب الضرر الذي عرض للقلب, وأخذ الأمر بالجد والعزيمة, واللجأ إلى الله وسؤاله العافية من ذلك, والحذر من التسويف والإهمال فإن الشبهة والفتنه إذا وقعت في القلب تقوى وتكبر, كمثل المرض الذي يصيب الجسم فإن عولج بسرعة؛ برأ بإذن الله وإن أهمل زاد خطره وصعب علاجه , وكما هو معلوم فإن الأدواء التي تصيب القلوب كثيرة وخطيرة كالنفاق والقسوة، والكبر والرياء, ونحو ذلك من الآفات التي تعتري قلوب الناس. فأول ما يجب أن يدرك المرء خطرها عليه في دينه ودنياه وآخرته . وأن يجتهد في معرفة آثار هذا البلاء عليه ليحذرها من هو في عافية منها, ولتقوى عزيمة من أصيب بشيء من ذلك في الخلاص منه.
اللهم إنا نعوذ بك من قسوة القلوب, ومن رين الذنوب. ونعوذ به من ضيق الصدر، وشتات الأمر.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين , فاستغفروا الله وتوبوا إليه إن إنه هو الغفور الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونتوب إليه, ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين
اتقوا الله ربكم واجتهدوا في إصلاح قلوبكم, واعلموا أن: حياة القلوب إنما هي بالتقوى, فإذا كان القلب عامرا بخشية الله وتوحيده وتعظيمه فهو القلب الصحيح السالم من الشرك والشك, وصاحبه هو الأمن الناجي يوم القيامة{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. وهكذا هو قلب المؤمن قال الله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
وأما المنافق فإن قلبه مريض أمرضته الشبهات والشهوات المحرمة.
فالنفاق يمرض القلب ويفتنه حتى لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً. ففي الحديث:" تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ." يقول الله عن هذا الصنف من الناس:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
فاحذروا النفاق فإنه أخطر من أمراض القلوب لأنه يجعل القلب في ضيق وحرج يتكاسل عن الطاعة وينفر عن ذكر الله يقول تعالى:{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.
ومن أمراض القلوب القسوة ومن أسبابها الجرأة على الفواحش والمنكرات والعكوف على المعاصي والموبقات.{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ}, قست قلوبهم لقلة ذكر الله, وخروجهم عن طاعته إلى معصيته, وشكهم في وعده ووعيده.
فاجتنبوا واحذروا كل ما يؤدي إلى قسوة القلب قال الله عز وجل:{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}. فإن القلب إذا ألِفَّ المعصية، فإنه قلَّ أن ينـزع عنها, إلا أن يشاء الله لصاحبه التوبة. وأن أخطرُ ما يَعرِضُ للعاصي تهاونُهُ بما أصاب قَلبَهُ من فساد الذنب وكثرة الخطايا. فمتى كثرت الذنوب على القلب؛ أتلفته، وأصبح قاسياً كالحجر, لا ينتفع بموعظةٍ.
إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة كالأرض إن سبخت لم يحيها المطر
ولا شك أن المؤمن يسعى جاهدا ليكون قلبه صحيحا سليما فيحرص على حمايته من الآفات والأدواء فيغذيه بذكر الله والعلم بالله عز وجل والإقبال على القران تلاوة وعملا وتدبرا.
ثم صلوا عباد الله وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال قولاً كريماً ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)ً.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد . كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك. اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع, ومن قلب لا يخشع, ومن نفس لا تشبع, ومن دعوة لا يستجاب لها. اللهم مُنَّ على العاصين بتوبتك، وعلى المطيعين بزيادة فضلك ومثوبتك.
ربنا اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا, وما أسررنا وما أعلنا, وما أنت أعلم به منا, , أنت المقدم وأنت المؤخر, وأنت على كل شيء قدير.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون}.
فاذكروا الله يذكركم واشكروه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق