الأربعاء، 1 فبراير 2017

خطر المعازف

خطر المعازف.
تعيش الأمة المسلمة اليوم مرحلة عصيبة تواجهها الأخطار فيها من كل حدب وصوب، من تكالب الأعداء، وطعنات الأدعياء، وطائفة من المسلمين في غفلة عن ذلك مشغولون بالشبهات، وآخرون أضحوا صرعى الشهوات في غفلة عما يدبره العدو لهم من المكائد، بل بلغ الأمر بهم إلى الرضا بحالهم فمضوا في لهو وعزف رغم جراحاتهم..!
المعازف تصدح في نواديهم وقنواتهم واحتفالاتهم كأنما أيامهم أيام أعراس، وكأن لم يكن لهم وطن سليب، أو حق مغتصب!
نسوا نكبتهم بفلسطين، وأغضُّوا عن العراق طرفاً حتى نُهبت وبيعت للعدو، وها هو الجرح يتجدد في سوريا واليمن.
وجنودنا مرابطون بالحدِّ الجنوبي.
..والعازفون والمغنون في لهو وطرب..!
ومما يستغرب من أمرنا كيف صُرفت الهمم عن استصلاح الأحوال، وتبلّدت المشاعر، وغيّبت الحقائق عن الأمة، وأُلهيت عن مُصابها، ثم أُخِذ بزمامها إلى تفاهات الأمور، وخُدعت عن الجِد باللعبفمن احتفال ماجنِ إلى لهوٍ عابث ..!
فلو أن أحداً أراد استقصاء دسائس العدو؛ لعجز عن الإحاطة بها لكثرتها وتتابعها. ولكن حسبنا هنا الإشارة إلى أحد هذه المكائد، ألا وهو خطر المعازف؛ والغرض من ذلك التنبيه لهذا البلاء والتحذير من آثاره.
فقد بيّن الله عز وجل خطر الغناء فقال:{ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
ونقل الطبري وابن كثير عن عبـد الله بن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أنهم فسروا لهو الحديث في هذه الآية بأنه الغناء والاستمـاع له".( تفسير الطبري21/61وتفسير ابن كثير 6/333 ط:الشعب).
وقال ابن القيم رحمه الله:" فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من هذا الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن... فإنك لا تجد أحداً عَنِيَ بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك وثقل عليه سماع القرآن".( إغاثة اللهفان 1/426, ط المجمع).
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغناء مع جملة من المحرمات فقال:" ليكوننَّ من أُمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنَّ أقوامٌ إلى جنب عَلَمٍ، يروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهميعني الفقير- لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم- أي:يدك الجبل عليهم- ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".( صحيح البخاري: (5590)
وقد أجمع العلماء على تحريم الغناء والمعازف، فقد سئل ابن عباس عن الغنـاء فقال رضي الله عنه:" أرأيت الحـق والبـاطل إذا جـاء يوم القيامة، فأين يكون الغنـاء ؟ فقال الرجـل: يكون مع الباطـل، فقال: اذهب فقـد أفتيت نفسـك".( إغاثة اللهفان1/430)
ولما سئل مالك رحمه الله عنه قال:" إنما يفعله عندنا الفساق".( سنن البيهقي 10/377،و إغاثة اللهفان1/404).
فمن أراد الحق تكفيه الإشارة، وأما المجادل بالباطل فلن يقتنع ولو أتيته بألف دليل.
وللتذكير بمفاسد الغناء وأخطاره أذكر بعضها:
أولاً: أنّه من وسائل الإضلال عن سبيل الله، ومن أعظم ما يُلهي عن ذكر الله تعالى، ويصد عن الحق، ومـن الأسباب المفضية بصاحبها إلى اتخاذ آيـات الله هـزواً كما أخبر الله تعالى عن ذلك فقال:{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا..}.
ثانياً: أنه موجب لغضب الله وسبب للعذاب المهين فقد ختم الله آية التحذير من اللهو بقوله سبحانه:{..أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" ليشربنَّ ناسٌ من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يُعزف على رؤوسهم بالمعازف، والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير". (سنن ابن ماجه (4020) والمسند  5/342. وصححه الألباني).
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف، ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا المعازف".( ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي:7 وهو في الصحيحة برقم: 2203.
فمن تأمل أحوال المغنيين أو العازفين؛ وجدهم كما وصفهم الله, لاهين في غفلتهم، غارقين في شهواتهم، مضلين لغيرهم:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
ثالثاً: من مفاسد المعازف والغناء: أن فيها ضياعاً للأعمار في معصية الله، وطاعة الشيطان، بإنفاق الساعات الطوال في الغناء أو العزف والاستـماع له. والانشغال بذلك عن معالي الأمور, فيا لله كم من الأوقات الثمينة أُهدرت في غير طائل، والله عز وجل يقول:{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:" قد عُلِم بالأدلة المتكاثرة أن سماع الأغاني، والعكوف عليها، لاسيما اللهو، كالعود والموسيقى ونحوها من أعظم مكائد الشيطان، ومصائده التي اصطاد بها قلوب الجاهلين، وصدهم بها عن سماع القرآن الكريم، وحبب إليهم العكوف على الفسوق والعصيان. وتحريم الغناء المشتمل على شيء من آلات الملاهي، لما فيه من إفساد الأخلاق، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة". ( الفتاوى: 3/429).
وقال أيضاً:"من زعم أن الله أباح الأغاني، وآلات الملاهي، فقد كذب، وأتى منكراً عظيماً نسأل الله العافية من طاعة الهوى والشيطان، وأعظم من ذلك وأقبح، وأشد جريـمة، من قال: أنـها مستحبة، ولا شك أن هذا من الجهل بالله، والجهل بدينـه، بل من الجرأة على الله، والكذب على شريعتـه". (الفتاوى: 3/425).
ـ ورابعاً: من شؤم الغناء وآثاره أنه ينبت النفاق في القلب، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل". ( سنن البيهقي 10/377) .
قال ابن القيم رحمه الله:" اعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء. فمن خواصه: أنه يلهي القلب، ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد. فإن القرآن ينهي عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهي عن اتباع خطوات الشيطان والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي...ثم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بُغض الملاهي، التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم: أن صوت المعازف، واستماع الأغاني؛ ينبت النفـاق في القلب، كما ينبت العشب على الماء، فالغنـاء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق".( إغاثة اللهفان 1/440,439).
وكثير ممن ابتلي بسماع المعازف والغناء لا يقرون بآثاره عليهم مغالطة منهم وعدم مبالاة بالإثم الذي اكتسبوه. وما علموا أنّ الغناء يُذهب العقل، ويُنبِت النفاق في القلب، ويثقل عليه قبول الحق.
 اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.
-------------------
محمد بن علي بن محمد الشيخي
4/5/1438


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وقفة مع الدعاء..

      الدعاء عبادة جليلة وله مكانة من الدين عظيمة، بل هو العبادة كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فالدعاء تمجيد لله تعالى وثنا...