السبت، 26 أبريل 2025

موعظة سورة ق

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله :{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا ٠م تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}.

وعظ الله تعالى منكري البعث, وذّكرهم تعالى علمه المحيط بكل شيء, فهو العليم سبحانه بما تأكل الأرض من أجسادهم ، وبما تفرق من رفاتهم، فكل ذلك في كتاب محفوظ من النقص والتبديل. وأخبر جل وعلا أن تعجب الكفار من إنذار النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو لتكذيبهم بالحق، حين التبس الأمر عليهم بسبب كفرهم, ثم أمرهم الله تعالى أن ينظروا إلى ما في الكون من آثار صنعه ودلائل قدرته " مما هو أعظم مما تعجبوا منه واستبعدوه ".

(ينظر تفسير ابن كثير: ج١٣،ص١٨٣.)

فلينظروا إلى السماء فوقهم مرفوعة بغير عمد قد أحكم الله بناءها، وجمّلها بالكواكب والنجوم، وبسط الأرض وأرساها بالجبال، وأنبت شتى أصناف النبات مما يسر الناظرين. ونبّه سبحانه إلى قدرته في إنزال المطر وإنبات الزرع والثمار والنخل العاليات ذات الثمر المنظوم, وقد جعل الله ذلك معاشاً للخلق وأحيى به الأرض الميتة؛ فكما قدر عز وجل على ذلك فهو قدير على أن يحي الموتى يقول سبحانه:{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ* وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ }.

ثم هدد عز وجل الكفار إن سلكوا طريق المكذبين قبلهم من الأمم من لدن قوم نوح إلى قوم تبع ممن وجب عليهم العذاب, فقال:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}, وألزم منكري البعث بإقرارهم بقدرته على بدأ الخلق، فإن الكل عليه هين ويسير فقال:{ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}. وأخبر سبحانه عن قدرته على خلق الإنسان وعلمه عز وجل بخواطر القلوب ووساوس النفوس، فقال تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}كما قال سبحانه:{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }, فلعلم الإنسان وليتذكر أن الله أقرب إليه بعلمه وملائكته من حبل الوريد. ويقول تعالى:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}:حين يتلقى الملكان منه عمله.وله مترصد ملازم له, وعنده حافظ يحفظه, حاضر أينما كان.

لا شك أن النفوس تكره الموت؛ لشدته وسكرته, ولأنه يقطع  الآمال، وينقل الإنسان من دار مألوفة إلى دار موحشة غريبة، فلا يعلم العبد علام يقدم, على خير أم على شر؟! والله يقول: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ }. فتأمل يا عبد الله هذه الآية ولا تقل: متى يكون هذا؟ فالجواب حاضر ملء سمعك وقلبك, فاستعد لذلك حتى كأنك قد وقفت الموقف الموعود, فعظ نفسك بقول الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.

 وإنّ من أهوال يوم القيامة وشدائده أن تحشر كل نفس يومئذ ومعها ملكان أحدهما يسوقها والآخر يشهد عليها. فلن تفلت نفس مجرمة يومئذ، ولن تتأخر عن موقفها بين يدي العزيز القهار{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } تأتي كل نفس فريدة لا مال ولا جاه ولا ولد: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} فيجب علينا الاستعداد للوقوف بين يدي رب العالمين, وأخذ العدة لذلك بالعمل الصالح والإخلاص واليقين,فإنه يقال يومئذ للمكذب:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}. فمن غفل عن ذلك الموقف العظيم  فإنه يفجؤه يومئذ أمرٌ لم يكن له في الحسبان.

     ثم إن من أحداث ذلك اليوم العصيب ما تشيب له مفارق الولدان، ويصبح ما كان خفياً في الصدور ظاهراً للعيان، وما كان غيباً فإنه اليوم حقيقة لا يحتاج إلى برهان. 

فاذكّر نفسي وإياك اليوم لعلها تستيقظ من الغفلة قلوبنا قبل أن نقف موقفاً يعظُم فيه الفزع، وتشتد فيه الحسرة،ك.

 ولنتدبر قبل ذلك قول ربنا سبحانه:{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. 

 فإن العبد إذا وقف بين يدي ربه عز وجل أحضره الملَك الموكل به وأحضر عمله{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} هذا ما عندي حاضر محفوظ. فيقضي الله قضاءه العدل قائلاً: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ *الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ }, يلقى في جهنم كل كفار, ومعاند للحق, مناع لما أوجب الله عليه, معتد على الناس بلسانه أذيةً وفحشاً, وبيده ظلماً وبطشاً.

    فيا لحسرة الظالم لنفسه إذا: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ } فإذا تبرأ الشيطان منه, قال المسكين: يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني. فيقول الله عز وجل:{ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ  مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}, لا تختصموا عندي كما تختصمون عند ملوك الدنيا، فإنه لا يكرر الكلام عندي وقد قدمت إليكم بالوعيد لمن كفر بي وعصاني, فلا يبدل قضائي الذي قضيته, ولا أعذب أحد إلا بذنبه:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}, ثم يحقق تعالى وعده للنار أنه يملأها من الجنة والناس أجمعين.

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} فـ"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول :هلّ مِنّ مزيد ؟ حتى يضع رب العزَّة فيها قدَمَه ، فتقول : قطْ قَطْ وعِزَّتِكَ ، ويُزْوَي بعضها إلى بعض". [ متفق عليه] 

يقول الله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.

ويقول سبحانه أيضاً:{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ}.

 فالواجب على الناصح لنفسه أن يحرص على وقاية نفسه من عذاب الله باجتناب أسبابه وموجباته، وأن يبذل كل ما بوسعه ليكون من المتقين, فإن الله يقول في حقهم :{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.فهذا فيه بيان مصير المتقين وما يقابلون به من التكريم, واقتراب الجنة منهم حتى رأوها عياناً، وذلك تصديقاً لوعد الله لكل رجّاع إلى ربه تائب من ذنبه, وبشارة لكل حافظ لأوامر الله ونواهيه، ولقيه بقلب مخلص سليم.

فيومئذٍ يكرم الله المتقين بتقريب الجنة منهم، وازدلافها إليهم، فلا يتكلفون عناء بُعدها، بل تُدنى منهم، وتزف إليهم وقد تزخرفت وأزينت، وعبق طيبها حتى إنه ليوجد من مسيرة أربعين عاماً. ثم يقال لهم: ادخلوا الجنة سالمين من كل غم ومنغص, خالدين في النعيم المقيم أبداً لا انقطاع ولا فناء ولا زوال, ولكم كل ما تشتهيه أنفُسُكم وتلذ أعينُكم ولكم على ذلك المزيد مما لم يخطر على بال{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ}.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المنة الكبرى

            المنة الكبرى أحسب أنّ من المؤمنين فئامًا ممن لا يدرك قيمة الهداية للإيمان إلا يوم الدين..   أيها المؤمن!  قل الحمد لله، ثم تأمل ...