في اليوم
السابع عشر من العام الثاني للهجرة حدثت غزوة بدر, بين جند الله المؤمنين, وبين
كفار قريش من جند الشيطان. وقد قص الله طرفاً من أخبار هذه الغزوة , فقال سبحانه:{وَإِذْ
يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ
غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ
بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.
فقد انتدب النبيصلى الله عليه وسلم المسلمين لاعتراض قافلة عظيمة لقريش مع أبي
سفيان قادمة من الشام فيها تجارة لهم.
وكان أبو سفيان يتحسس الأخبار, فبلغه أن محمداً قد نفر في أصحابه, فحذر عند ذلك ,
واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري, وأمره أن يأتي قريشاً فيخبرهم أن محمداً قد عرض
لها. فتجهزت قريش سِراعاً. وقد تمثل الشيطان لهم في صورة سراقة بن مالك, ووعدهم أن
يجيرهم من عدو لهم. يقول الله عز وجل:{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ
لَكُمْ..}.
عند ذلك حوّل
أبو سفيان طريق القافلة, فلما رأى أنه قد أحرز عيره, أرسل إلى قريش, يقول: إنكم
إنما خرجتم لتمنعوا عيركم و أموالكم, و قد نجاهما الله, فارجعوا. فقال أبو
جهل: و الله لا نرجع حتى نرد بدراً !
فنقيم عليه ثلاثاُ, وننحر الجزور, و نطعم الطعام, و نسقي الخمر و تعزف علينا
القيان, فتسمع بنا العرب و بـمسيرنا و جمعنا.
فلما نجت العير
استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, فقام أبو بكررضي الله عنه فقال, وأحسن, ثم قام عمررضي الله عنه فقال مثل ذلك, ثم قام المقداد بن الأسود رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! أمض بنا لأمر الله,
فنحن معك, والله لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى:" اذهب أنت و ربك
فقاتلا إنا هاهنا قاعـدون", ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا, إنا معكما مقاتلون,
والذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه, حتى تنتهي
إليه! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً, و دعا له بخير. ثم قال صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس! فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: كأنك يا رسول الله إنما تريدنا ! قال صلى الله عليه وسلم: أجل. فقال سعد رضي الله عنه: قد آمنا بك و صدقناك, و شهدنا أن ما جئت به
الحق, و أعطيناك مواثيقنا و عهودنا على السمع و الطاعة, فامض بنا يا نبي الله لما
أردت, فنحن معك, والذي بعثك بالحق! لو استعرضت هذا البحر و خضت بنا, لخضناه معك,
ما تخلف منا رجل, و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً, إنا لصُبُرٌ في الحرب, صُدقٌ
عند اللقاء, ولعل الله يريك منا بعض ما تقر به عينك ! فسر بذلك رسول الله. وأنزل
الله تلك الليلة مطراً, فأصاب المسلمين ما لبّد لهم الأرض, وأصاب قريشاً مالم
يقدروا أن يرتحلوا معه. ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين, وقال لهم:"سيروا على بركة
الله, فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين, فكأني أنظر إلى مصارع القوم ".ثم
مضى يبادر قريشاً إلى الماء حتى إذا جاء أدنى
ماء من بدر, نزل به, فقال حباب بن المنذررضي الله عنه : يا رسول الله! أرأيت هذا المنزل ؟ أمنـزلٌ
أنزلكه الله, ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه, أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : بل هو الحرب و الرأي و المكيدة". قال رضي الله عنه : فإن هذا ليس لك بمنـزل, فانهض حتى نأتي
أدنى قليب من القوم,(أقرب بئر منهم) فننـزله, ثم نغوُّر ما سواه من القُلُب, ثم
نبني حوضاً, فنملأه, ثم نقاتل القوم, فنشرب و لا يشربون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"قد أشرت بالرأي". ثم نهض النبي صلى الله عليه وسلم , و سار حتى إذا
أتى أدنى ماءٍ من القوم نزل, وبنوا حوضاً على القليب, وقذفوا فيه الآنية, ثم أمر
بالآبار الأخرى فغوّرت. فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا نبي الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه,
و نُعِدُّ عندك ركائبك, ثم نلقى عدونا, فإن أعزنا الله, و أظهرنا على عدونا, كان
ذلك ما أحببنا, و إن كان علينا, لحقت بمن وراءنا من قومنا, فقد تخلف عنك أقوام ما
نحن بأشد حباً لك منهم, و لو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك, يمنعك الله بهم,
يناصحونك, و يجاهدون معك, فدعا له رسول الله r بخير. ونبُنىّ له العريش. وارتحلت قريش حين
أصبحت فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم! هذه قريش قد أقبلت
بخيلائها وفخرها, تحادك وتكذب رسولك, اللهم! فنصرك الذي وعدتني ! اللهم فاحنهم
الغداة".
ثم حميت الحرب, وخرج الأسود بن عبد الأسد وكان رجلاً شرساً, فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم, أو لأهدمنه, أو لأموتن دونه! فلما خرج يريد الحوض, خرج إليه حمزة, فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض, فحبا إلى الحوض, فاقتحم فيه, واتبعه حمزة بضربة أخرى فقتله في الحوض. ثم خرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد, فلما دنا إلى الصف دعا إلى البراز, فخرج إليه ثلاثةٌ من الأنصار: فسألهم, فقالوا: رهط من الأنصار فقال عتبة: أكفاءٌ كرامٌ, ما لنا بكم حاجة, إنما نريد قومنا, ثم نادى مناديهم : يا محمد! اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم يا حمزة بن عبد المطلب! قم يا علي! قم يا عبيدة بن الحارث".! وكان أسن القوم فبارز عتبة بن ربيعة, و بارز حمزة شيبة بن ربيعة, و بارز علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة, فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله, ولم يمهل علي الوليد أن قتله, واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان,كلاهما أثبت صاحبه, وكرَّ حمزة وعلي على عتبة, واحتملا صاحبهما, فحازاه إلى أصحابه, ثم تزاحف الناس, ودنا بعضهم من بعض.وقام النبي صلى الله عليه وسلم يناشد الله ما وعده من النصر, ويقول:[اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك, اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم". فأخذ أبو بكر بيده, فقال: حسبك يا رسول الله, قد ألححت على ربك. فخرج r وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر].(البخاري:4875)
ثم حميت الحرب, وخرج الأسود بن عبد الأسد وكان رجلاً شرساً, فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم, أو لأهدمنه, أو لأموتن دونه! فلما خرج يريد الحوض, خرج إليه حمزة, فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض, فحبا إلى الحوض, فاقتحم فيه, واتبعه حمزة بضربة أخرى فقتله في الحوض. ثم خرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد, فلما دنا إلى الصف دعا إلى البراز, فخرج إليه ثلاثةٌ من الأنصار: فسألهم, فقالوا: رهط من الأنصار فقال عتبة: أكفاءٌ كرامٌ, ما لنا بكم حاجة, إنما نريد قومنا, ثم نادى مناديهم : يا محمد! اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم يا حمزة بن عبد المطلب! قم يا علي! قم يا عبيدة بن الحارث".! وكان أسن القوم فبارز عتبة بن ربيعة, و بارز حمزة شيبة بن ربيعة, و بارز علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة, فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله, ولم يمهل علي الوليد أن قتله, واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان,كلاهما أثبت صاحبه, وكرَّ حمزة وعلي على عتبة, واحتملا صاحبهما, فحازاه إلى أصحابه, ثم تزاحف الناس, ودنا بعضهم من بعض.وقام النبي صلى الله عليه وسلم يناشد الله ما وعده من النصر, ويقول:[اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك, اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم". فأخذ أبو بكر بيده, فقال: حسبك يا رسول الله, قد ألححت على ربك. فخرج r وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر].(البخاري:4875)
فأمده الله بالملائكة, يقول تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ
يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ
عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ *إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى
الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي
قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ
وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ. [قال ابن عباسt: بينما رجلٌ من المسلمين يومئذٍ يشتد في أثر
رجلٍ من المشركين أمامه, إذ سمع ضربة ًبالسوط فوقه, وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم,
إذ نظر إلى المشرك أمامه خر مستلقياً, فنظر إليه, فإذا هو قد خُطِم أنفه, وشُق
وجهه, كضربة السوط, فحدّث الصحابي بذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم rفقال: صدقت ذاك من مدد السماء الثالثة].(مسلم:1763)
عند
ذلك ولىَّ إبليسُ هارباً, فقالوا: أين ياسراقة! قال: إني أرى مالا ترون, وذلك أنه
رأى الملائكة, يقول الله تعالى :{فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى
عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى بيده, وخرج من العريش فاستقبل
القوم وقال صلى الله عليه وسلم:" شاهت الوجوه"! ثم نفحهم بها,
يقول الله تعالى:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ
إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ
بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.ثم قالصلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى جنة عرضها السموات
والأرض", قال عمير بن الحمام رضي الله عنه:يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟
قال: نعم. قال: بخ بخ يا رسول الله! فقال رسول الله: ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ ؟ قال: لا والله يا رسول ! إلا رجاء أن
أكون من أهلها, قال: فإنك من أهلها. فاخترج تمراتٍ فجعل يأكل منهن, ثم قال: لئن
أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة, فرمى بما كان معه من التمر, ثم
قاتلهم حتى قتل}.( مسلم)
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" احملوا", فحمل المسلمون
على المشركين, فلم يكن إلا الهزيمة. فقتل من صناديد قريش يومئذٍ سبعون, وأُسر
مثلهم. واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً. وكان عدد المسلمون ثلاثمائة وثلاثة
عشر, والمشركون تسعمائة و خمسون*.
إن في هذه
الغزوة العظيمة دروسا وعبرا كثيرة منها:
ـ أنه ينبغي
للمؤمنين أن يكونوا حازمين في أمورهم, ومن ذلك انتهاز الفرص, والمبادرة إلى إفشال
مخططات العدو, وإبطال مكائده.
ـ ويجب
الأخذ بالأسباب المشروعة, الكفيلة بإذن الله بتحقيق الأهداف, ومن ذلك إعداد القوة,
ووضع الخطط المحكمة الصحيحة, ومشاورة أهل الرأي.
ـ
والاعتماد مع ذلك على الله أولاً وآخراً, والتوكل عليه في كل الأمور والأحوال,
وصدق الدعاء, واستمداد العون من الله وحده, والثقة بوعده ونصره.
ـ أن
العاقبة لأهل الإيمان متى صدقوا وصبروا وصابروا, فإن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع
الكرب وأن مع العسر يسراً. والحق منصور, والباطل مهما تجبر واستطال فهو مدحور. فـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا
وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
-------------------
*
أصل الموضوع مقتبس بتصرف واختصار من السيرة لابن حبان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق