بين الليبرالية والفطرة
يظن بعض الناس جهلا منه:" إن الإنسان حر في عقيدته، له أن يدين بأي عقيدة شاء"
وبعضهم لم يكتف بهذا الخطأ الفاحش بل أضاف إليه قوله:" أن هذا هو الأصل." أي: أن الإنسان حر في كل مايأتي ويذر.
وقد تسمع أو تقرأ لسفيهٍ يقول: "كن ليبراليا، تكن على الفطرة!!
فالقول بأن الإنسان حر في اختيار معبوده والدين الذي يريده - هذا مذهب الليبرالية- وهو باطل ومنكر من القول، وتلبيس وتضليل، لأن الخالق سبحانه إنما خلق الإنسان لعبادته، وتوحيده ولم يجعل له حرية الاختيار في عبادة ما شاء، قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، أي:ليوحدون،ويفردوني بالعبادة. فمن أبى منهم وعاند، فإنه متوعد بالعذاب الأليم، دليل ذلك أن الله سبحانه هدد من كفر في الآية الرابعة بعدها فقال:"{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}.
وقبلها بآيات ذكر عقوبته للأمم الكافرة بعد أمرهم بالتوحيد وانذارهم الشرك، فقال سبحانه: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَر إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
وأما قول الله تعالى: { فَاعْبُدُوا مَاشِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}، فإنها لا تدل على حرية العبودية لغير الله فقد جاءت هذه الآية في سياق التهديد والوعيد قال الله عز وجل بعدها: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ).
فأين حرية الإنسان في عبادة ماشاء وهو مهدد بالعذاب إن اختارالكفر !؟.
ثم إن القول بأن الأصل أنه حر في عبادة ما شاء مناقض لحكمة الله تعالى، في أن يخلق خلقا فيجعل لهم الحرية في عبادة غيره!
فهل يصح بعد ذلك القول: بأن الإنسان حر في عقيدته يؤمن بمايشاء ويعبد مايريد.
كيف يصح هذا القول والليبرالية تصادم الفطرة وتناقضها.؟!
فالليبرالية تعني التحرر من الضوابط والمعايير عموما، والدينيةخصوصا.
فهي أسلوب فلسفي يقوم على أن لكل فرد يتبناها الحرية المطلقة في اختيار نمط الحياة الذي يريد ، وتبني ما يشاء من أفكار بلا حدود أو قيود، فلا يفرض عليه شيء خارج عن إرادته.
وبمعنى آخر: هي عبادة الهوى..!
فكل شيء يهواه يرى أن له الحق في فعله دون حرج، فبذلك يكون إله المرء ومعبوده هواه.
يقول الله تعالى في بيان ضلال هذا الصنف من الناس:[ أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهديهِ مِن بَعدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرونَ].
ثم إن الليبرالية مبنية على الإيمان بالمذاهب الفلسفية التغريبية.
بينما الفطرة ما طُبع عليه الإنسان من القابلية للتدين، وما جُبِل عليه من معرفة الله والإيمان به، قال تعالى{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًافِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال :"وإني خلقت عبادي حنفاءكلهم فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم". وقال سبحانه عن الخليل عليه الصلاة والسلام:{مَاكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّاوَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أوينصرانه أو يمجسانه".
إذن فهذه العبارة: "كن ليبراليا، تكن على الفطرة"، محادة لله تعالى ومخالفة لمعنى الفطرة ثم هي سفاهة من القول وضلال.
صحيح أن الليبراليين وإخوانهم العلمانيين لا يعيرون الأدلة والنصوص الشرعية أيً اهتمام. غير أنّ الكلام موجه بالدرجة الأولى إلى من جهل حقيقتهم فاغتر بباطلهم، أو أُعجب بفكرهم و مبادئهم وظن أنهم على شيء.
فليسأل من يعتقد هذا المبدأ نفسه:
ما هو موقفه أمام الله وقد ناصر فكرا يرفض دين الله ويعاديه؟
والواقع أنه لا جواب له، قال الله سبحانه:﴿الَّذينَ يَستَحِبّونَ الحَياةَ الدُّنيا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَيَبغونَها عِوَجًا أُولئِكَ في ضَلالٍ بَعيدٍ﴾
وماهو مصير هؤلاء المعاندين؟ فالجواب أن الله تعالى بيّن ذلك في مواضع من كتابه، فمنها قوله عزوجل: ﴿وَذَرِ الَّذينَ اتَّخَذوا دينَهُم لَعِبًا وَلَهوًا وَغَرَّتهُمُ الحَياةُ الدُّنيا وَذَكِّر بِهِ أَن تُبسَلَ نَفسٌ بِما كَسَبَت لَيسَ لَها مِن دونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفيعٌ وَإِن تَعدِل كُلَّ عَدلٍ لا يُؤخَذ مِنها أُولئِكَ الَّذينَ أُبسِلوا بِما كَسَبوا لَهُم شَرابٌ مِن حَميمٍ وَعَذابٌ أَليمٌ بِما كانوا يَكفُرونَ﴾. وقال تعالى:﴿فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾.
فالواجب على المسلم أن يحذر الشبهات ودعاة الفتن، وأن يستمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهما النور المبين والهدى والشفاء لقوم مؤمنين.
…………………………………
محمد بن علي الشيخي:
١٤٣٨/٥/٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق