دعوى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أميّأ
لقد وصف الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالأمية في كتابه فقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ }, و قال سبحانه:{..فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.وقال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}.
فالواجب أن نعلم أنّ وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأميّة هنا وصف كمال ومعجزة له عليه الصلاة والسلام. إذا كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب وجاء من عند الله بكتاب مبين, نور وهدى, مشتمل على ما يجب لله من الحق من توحيده و أسمائه وصفاته, وأخبار الجزاء والمعاد, وأنباء ما قد سبق, وأحكام الدنيا والدين. فهذه أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه أرسل إلى الأمة الأمية لا تقرأ ولا تكتب، ففي الصحيحين أن قال صلى الله عليه وسلم:" إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب ", وهو صلى الله عليه وسلم من جملة هؤلاء الأميين, أي: أنه مثلهم أميّ، ومع ذلك يتلو عليهم آيات الكتاب المبين كما قال الله سبحانه:{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.
فغاية ما يستدل به أصحاب هذه الدعوى الواهية, خبران الأول: ما رُويَ أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى قرأ الكتاب.
والثاني: ما روي أنّه كتب صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية اسمه في كتاب الصلح الذي كتبه علي.
والجواب عن ذلك: فالخبر الأول, لم يصح, بل هو كذب ولا دليل عليه. "وهو أثر موضوع ، حكم عليه من العلماء الشوكاني والسيوطي والألباني بالوضع ، ( ينظر مجلة البحوث العدد:45/ ص 129)
وقال ابن كثير رحمه الله :" وما أورده بعضهم من الحديث ، أنه لم يمت - صلى الله عليه وسلم - حتى تعلم الكتابة ، فضعيف لا أصل له. قال الله تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا أَيْ تَقْرَأُ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ} لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ,{ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} تَأْكِيدٌ أَيْضًا.". (ينظر تفسير ابن كثير 10/520 ط:عالم الكتب ).
وأمّا الثاني: فكتب عَلِيُّ رضي الله عنه:" هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله, فقالوا: اكتب ما قاضى عليه محمد بن عبد الله .فقال أنا محمد بن عبد الله, وأنا والله رسول الله. قال: وكان لا يكتب فقال لعلي " امح رسول الله ". فقال علي :والله لا أمحاه أبداً, قال: "أرنيه" قال: فأراه إياه فمحاه, النبي صلى الله عليه وسلم بيده. ( رواه البخاري وغيره) فهذا الدليل ينقض دعواهم, لأنه لو كان يقرأ صلى الله عليه وسلم لما قال لعلي"فأرنيه".والدليل الثاني: قوله " وكان لا يكتب".
وقد زاد بعضهم أنه كتب بيده, ولم يصح ذلك, بل أعاد الكتاب لعلي فكتبه.
وعلى فرض أنه كتب اسمه الله عليه وسلم ,فكون الرجل يكتب اسمه وهو أميّ ممكن , ولا يخرجه ذلك عن وصف الأمية فكم ممن هو أمي, ويكتب اسمه, بل و ويوقع. ولو أعطيت له جملة من كلمتين لم يستطع قراءتها.
فهذه المسألة من الشّبه التي تثار بين الحين والآخر والواجب، عدم الالتفات إليها , ومقابلة ذلك بنشر العلم الصحيح والدعوة إلى الرجوع إلى المنبع الصافي الذي ارتوى منه سلف الأمة وهو كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وفق ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم والقرون المفضلة من بعدهم. والله الموفق.
محمد بن علي الشيخي: 18 /6/ 1437
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق