الاثنين، 12 يونيو 2017

القول الجلي في زكاة الحلي



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فللعلماء في زكاة الحلي قولان:
القول الأول:
أنه ليس فيه زكاة مهما بلغ.
وهذا مذهب مالك في المدونة ( ج1 ص 245 ) والشافعي في الأم ( ج2 ص 40 ) وظاهر مذهب أحمد كما في ( المغني ج3 ص41 )
وهو مروي عن ابن عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء رضي الله عنهم.
وهو قول القاسم والشعبي وقتادة ومحمد بن علي وعَمرة، وأبي عبيد وإسحاق وأبي ثور.
واختيار ابن قدامة هذا القول واحتج له بما روى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ليس في الحلي زكاة ".
- ولأن الحلي مرصد لاستعمال مباح فلم تجب الزكاة فيه كالعوامل وثياب القنية.
- وبما ورد أن عائشة كانت تحلي بنات أختها يتامى في حجرها فلا تخرج من حليهن الزكاة. ( مالك في الموطأ ص167 رقم 586 ).
- وبما روي عن ابن عمر في حلي بناته وجواريه ولا يخرج زكاة. ( الموطأ 587 )
وعلل الترجيح فقال:
- أنّ الأحاديث الصحيحة التي احتجوا فلا تتناول محل النزاع لأن الرقة: هي الدراهم المضروبة.
-حديث المسكتين ضعيف ( قال البيهقي تفرد به ثابت بن عجلان وهو ضعيف. السنن الكبرى ج4 ص 140 ).

القول الثاني:
أن فيه الزكاة: وهذا مذهب أبي حنيفة ( شرح فتح القدير ج2 ص163 ) ورواية ابن أبي موسى عن أحمد ( المغني ج3 ص42)
وهو مروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب وابن جبير وعطاء ومجاهد وعبد الله بن شداد وجابر بن زيد وابن سيرين وميمون بن مهران والزهري والثوري.
وحجة هؤلاء ودليلهم:
-عموم قوله صلى الله عليه وسلم:" في الرقة ربع العشر وليس فيما دون خمس أواق صدقه ". متفق عليه.
فمفهومه: أن في الفضة صدقه إذا بلغت خمس أواق.
-حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها في يديها مسكتان من ذهب، فقال: هل تعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار .. ". أخرجه أبو داود في الزكاة باب الكنز وما هو وزكاة الحلي ( 1365 ج2 ص212 )، والترمذي في الزكاة بنحوه في باب زكاة الحلي 637، والنسائي 247، وحسنه الألباني في سنن أبي داود.

التعليق على حديث جابر " ليس في الحلي زكاة ".
قال الألباني باطل أخرجه ابن الجوزي في التحقيق (1/196) فيه عافية بن أيوب مجهول، وإبراهيم ابن أيوب الراوي له عنه ذكره أبو العرب في الضعفاء، وعن أبي طاهر المقدسي أنه قال: إبراهيم بن أيوب حوراني ضعيف.
            
أحاديث زكاة الحلي.
الحديث الأول:
أخرج أبو داود والنسائي عن خالد بن الحارث عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها:" أتعطين زكاة هذا "؟ قالت: لا. فقال:" أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار"؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ولرسوله ".
أخرجه أبو داود في الزكاة باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي رقم (1563) والترمذي أيضا في الزكاة (637) والنسائي في الزكاة أيضا زكاة الحلي (2479). وصححه الألباني في الإرواء ج3 ص (296).
- قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية (2/370) " قال: ابن القطان في كتابه: اسناده صحيح.
- وقال المنذري في مختصره: اسناده لا مقال فيه. فإن أبا داود رواه عن أبي كامل الجحدري، وحميد بن مسعدة، وهما من الثقات. احتج بهما مسلم، وخالد بن الحارث إمام فقيه، احتج به البخاري ومسلم، وكذلك الحسين بن ذكوان المعلم احتجا به في الصحيح ووثقه ابن المديني وابن معين وأبو حاتم، وعمرو بن شعيب، فهو من قد عُلم، وهذا إسناد تقوم به الحجة إن شاء الله.
- وأخرجه النسائي أيضا عن المعتمر بن سليمان عن حسين المعلم عن عمرو، قال: جاءت امرأة، فذكره مرسلاً، قال النسائي: وخالد أثبت عندنا من معتمر، وحديث معتمر أولى بالصواب.
- وأخرج للحديث الترمذي طريقا عن ابن لهيعة، وطريقا آخر رواه المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب، ثم قال الترمذي: وابن لهيعة والمثنى بن الصباح يضعفان في الحديث. ثم قال ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ". انتهى
-قال المنذري: لعل الترمذي قصد الطريقين اللذين ذكرهما، وإلا فطريق أبي داود لا مقال فيه، وقال ابن القطان بعد تصححيه لحديث أبي داود، وإنما ضعف الترمذي هذا الحديث لأن عنده فيه ضعيفين، ابن لهيعة والمثنى بن الصباح ".

الحديث الثاني:
قال أبو داود في سننه حدثنا محمد بن إدريس الرازي حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمر بن عطاء أخبره عن شداد بن الهاد قال: دخلنا على عائشة فقالت:" دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورِق، فقال ما هذا يا عائشة؟ فقلت صنعتهن أتزين لك بهن يا رسول الله. فقال: أتؤدين زكاتهن؟ فقالت: لا، قال: هن حسبك من النار ". (1565)
- وأخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن عمرو بن عطاء به، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
- وأخرجه الدارقطني في سننه عن محمد بن عطاء ولم ينسبه إلى جده فظنه مجهولاً، وإنما هو محمد بن عمرو بن عطاء كما جاء مبينا عند أبي داود، وهو أحد الثقات وبينه شيخه محمد بن أدريس الرازي هو أبو حاتم إمام الجرح والتعديل.
ويحيى بن أيوب أخرج له مسلم، وعبيد الله ابن أبي جعفر من رجال الصحيحين وكذلك عبد الله بن شداد، والحديث على شرط مسلم.

الحديث الثالث:
 أخرج أبو داود أيضا عن عتاب بن بشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت:" كنت ألبس أوضاحاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو فقال: ما بلغ أن يزكى - أو قال: تؤدى زكاتهفزكي فليس بكنز ". ( 1564)
- وأخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن مهاجر عن ثابت به وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
وكذلك رواه الدارقطني ثم البيهقي وقال: تفرد به ثابت بن عجلان، قال: في " تنقيح التحقيق ". وهذا لا يضر، فإن ثابت بن عجلان روى له البخاري ووثقه ابن معين. وعتاب بن بشير وثقه ابن معين وروى له البخاري متابعة.
الخلاصة: 
أنه لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بوجوب زكاة الحلي. 
فقد وافقه أحمد في رواية ابن أبي موسى كما في المغني ( 3/42 )
ورُوي عن مالك أنه يزكي عاماً واحدا.
وممن نقل عنه القول بذلك من الصحابة سوى ابن مسعود
عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
وممن بعدهم: سعيد بن المسيب وابن جبير ومجاهد والزهري والثوري وابن سيرين وميمون بن مهران.
وقد أفتت به اللجنة. الدائمة للبحوث بالمملكة ( رقم الفتوى 1531 وتاريخها 19/3/1397 هـ )
والشيخ عبد العزيز بن باز.
والشيخ محمد بن عثيمين.
ثم إن مع الموجبين نص خاص، وهو حديث:" أتؤدين زكاته ".
وإن لم يصححه جماعة فقد صححه آخرون وله شواهد.
وأحاديث أخرى سبق ذكرها وتخريجها قبل أسطر.
وأما قول بعض من لا يوجب الزكاة أنه يزكى خروجا من الخلاف.
فيقال لهم:
أولا: لا يعتد بخلاف مالم يكن له حظ من النظر.
أي: لا قيمة له مالم يعتضد بأدلة صحيحة صريحة.
وثانيا: كيف يوجب هؤلاء إخراج مقدار من المال بغير دليل ( زكاة ) عند قولهم خروجا من الخلاف. وهذه فريضة وليست تطوعا.
 ثالثا: وهم محججون بالنص، ولم يأتوا بما يعارضه أو ينسخه.
رابعا: ما هو المخصص لعموم حديث: ما من صاحب ذهب ولا فضه لا يؤدي منها حقها..؟
خامسا: قولهم: أنه لا زكاة فيما اتخذ للقنية لقوله صلى الله عليه وسلم:" ليس على المسلم صدقة في عبده وفرسه ". فهذا صحيح ولكنه غير صريح في المسألة. بل معارض بالنص الصحيح الصريح " أتعطين زكاة هذا " و " وما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز ".
وقولهم هذا من القنية فيقاس عليه الحلي. لا يستقيم ذلك لورود نص آخر أقوى في القياس وأصح في الاستدلال وهو حديث امتناع خالد عن دفع الزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مبينا سبب امتناعه: " إن خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله ". ( البخاري ومسلم )
فالمانع من زكاة الدرع كونه حبس في سبيل الله. فلو لم يكن كذلك لوجبت فيه الزكاة وهو ملبوس وقنية.
فإذا بلغ الحلي النصاب وحال عليه الحول، فإنه يزكى ؛ احتياطاً وإبراء للذمة ولثبوت الدليل الخاص في ذلك كما سبق.

    وبالله التوفيق.
....
محمد بن علي بن محمد الشيخي
١٧ / رمضان/١٤٣٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خاطرة

         خاطرة   اليوم كما نرى تعج الساحة بالكثير من المشاركات بين كتابات ومقاطع فيديو.. وتحتوي على السمين والغث، والخير والشر.. واختلاط الص...