تعظيم
سـنة النبي صلى الله عليه وسلم 26/10/1430
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه، الحمد لله الكريم الوهاب، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مخلص غير مرتاب, وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله المبعوث
رحمة للمؤمنين يعلمهم الحكمة والكتاب، صل
الله عليه وعلى آله وصحبه خير آل وأصحاب, وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الحشر
والحساب.
عباد الله: اتقوا الله تعالى، وتذكروا نعمه
العظيمة عليكم واشكروه، واعلموا أن من أجل نعم الله على المؤمنين هدايتهم للإيمان
وتنـزيل السنة والقرآن على نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أرشد الله إلى ذلك
فقال سبحانه وتعالى: ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ ) ([1]).
وأمر عز وجل بتلقي وحيه بالإيمان والطاعة
والتسليم فقال سبحانه: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ ) ([2]).
وقال
تعالى منبها لخطر الإعراض عن سنة نبيه وهديه فقال تبارك: (فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ([3]).
وكذلك جاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر ذلك كما في حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا ألفَينَّ أحدكم متكئاً على أريكته،
يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب
الله اتبعناه )) ([4]).
وحديث
المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا
إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا
القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا وإنّ ما
حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
حرّم الله )) ([5]).
فكما أن القرآن وحي من الله منـزل على
رسوله صلى الله عليه وسلم فكذلك السنة وحي أيضاً.
وقال
النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (( اكتب
فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق )) ([6]).
وجاء
التصريح بأن جبريل عليه السلام يأتي بالوحي من السنة كما يأتي به من القرآن يقول صلى الله عليه وسلم:
(( إن
روح القدس نفث في رُوعي* أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله
وأجملوا في الطلب )) ([7]).
فبهذا
يعلم أن السنة وحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يسع المسلم إلا الإيمان والتصديق والتسليم لكل ما صح من
السنة. لقول الله سبحانه: ( وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الْهَوَىٰ * إن هو إلَّا
وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ([8]).
وقوله جل وعلا: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ ) ([9]).
فالواجب
على المؤمن الطاعة والانقياد والتسليم لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالمراد بالحكمة في قوله تعالى: ( وَأَنزَلَ
اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ).
قال الشافعي رحمه الله: "ذكر الله
الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن القرآن ذُكر وأتبعته الحكمة،.. وافترض الله طاعة رسوله وحتم
على الناس اتباع أمره،.. فإن الله جعـل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به. وسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة عن الله معنى ما أراد .." ([10]).
فلقد كان هدي الصحابة رضي الله عنهم
تعظيم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إليها، حتى بلغ بهم الإنكار على من خالفها، ورأوه أهلاً
للهجر في ذات الله، كما قال عبادة بن الصامت لمعاوية:" أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن رأيك، والله لا أساكنك بأرض لك عليّ فيها إمرة " ([11]).
وقال عبد الله بن مغفل رضي الله عنه لأبن أخيه وقد رآه يخذف: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف، وقال: (( إنها
لا تصيد صيداً ولا تنكي عدواً، وإنها تكسر السن، وتفقأ العين )).
فعاد ابن أخيه يخذف فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخذف، والله لا أكلمك أبداً ([12]).
متفق عليه.
فرضي الله عن الصحابة الذين فقهوا حق
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يجب عليهم نحوها من التعظيم والامتثال، حتى بلغ بهم الأمر
إلى هذا الحد الذي يحلف فيه عبد الله بن مغفل أن لا يكلم ابن أخيه لأنه لم ينته
عما نهى عنه رسول الله، وإن كان الأمر في حد ذاته يسيراً، وقد لا يستحق كل هذه
العقوبة في نظر الذين لا يدركون أهمية السنة، وأن تخطيها ومخالفتها، مخالفة لأمر
الله، الذي أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى ذلك ينبغي إرشاد الناس إلى تعظيم
سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وغرس حبها في النفوس، وإعطاء الجميع صغاراً وكباراً رجالاً
ونساءً نصيباً وافراً من ذلك كما هو يد ل عليه فعل عبد الله بن مغفل رضي الله عنه مع ابن أخيه.
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر (( أيها الناس: فقالت
لماشطتها: لُفّي رأسي. قالت: فقلت فديتك، إنما يقول: (( أيها الناس )) قالت: ويحك، أولسنا من الناس. فلفّت رأسها،
وقامت في حجرتها، فسمعته يقول: (( أيها الناس بينما أنا على الحوض جيء بكم زُمراً،
فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم: ألا هلموا إلى الطريق، فنادني منادٍ من بعدي فقال:
إنهم قد بدّلوا بعدك، فقلت: ألا سحقاً، ألا سحقاً )) ([13]).
فالاعتصام بالسنة نجاة من البدع
والأهواء في الدنيا، وأمناً يوم القيامة من العذاب. ومن شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أمر أمته بالاعتصام بسنته فقال: (( فعليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ)) ([14]).
فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( المرء
مع من أحب )) ([15])،.
فأقرب الوسائل إلى الله العمل بكتاب
الله وملازمة السنة، والوقوف معها في الظاهر والباطن ودوام الافتقار إلى الله وإرادة وجهه بالأقوال والأفعال.
ففي ذلك بشارة لمن استمسك بالسنة وعض
عليها بالنواجذ، وجعلها إمامه وهاديه، فمن تتبع السنن وعمل بها فقد اهتدى إلى
الصراط المستقيم، الذي لا يزيغ عنه إلا هالك، وكان ذلك علامة على حبه لمن جاء
بالسنن صلى الله عليه وسلم .
والمعنى- والله أعلم- ليكن تمسككم بها
أشد ما يكون امتثالاً وعملاً ومجانبة لمخالفتها، وبالغوا في التشبث بها، والمحافظة
عليها، لأن العمل بالسنن شعار المسلم الذي يعرفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
ورد الناس على حوضه يوم القيامة فيسقى من عرفه, ويذاد عنه من بدل سنته، وقد بين
النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((وليردنَّ
عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك
لا تدري ما عملوا بعدك فأقول: سحقاً,
سحقا ً)) ([16]).
متفق
عليه.
فالذين يُذادون عن الحوض هم الذين حصل
منهم التبديل في دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبذلك يعلم أن من جحد السنة أو تردد في
الاحتجاج بها أو أورد شيئاً منها ثابت بنقل
صحيح: فقد كفر، قال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ ) ([17]).
وقال تعالى: ( وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ ) ([18]).
فمن رد السنة فقد رد القرآن، فيجب
الإيمان بكل ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فتبيين الكتاب في سنـة رسول الله كما قال تعالى: ( وَمَا
أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا
فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .
وقال
الإمام أحمد: " أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض أمره أن يقع
في قلبه شيء من الزيغ فيهلك" ([20]).
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله
تعالى: ( الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) أي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله، هو منهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله،
فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان ([21]).
فمما يقرع قلوب المعرضين عن سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وينبههم إلى ما هم عليه من الخطر قوله صلى الله عليه وسلم: (( فمن
رغب عن سنتي فليس مني )) ([22]).
قال
ابن القيم رحمه الله:"وقد كان السلف يشتد
نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائناً من كان،
يهجرون فاعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له
والتسليم، والتلقي بالسمع والطاعة ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له
عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقـوله تعـالى: ( وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ). وبقول الله سبحانه:
( فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ([23]).
فالواجب على المؤمن الطاعة والانقياد
والتسليم لكل ما قضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن السنة وحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يقول تعالى:
( وَمَا
يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ([24]).
ويقول تعالى: (
وَأَنزَلَ
اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ).
فهذا فيه الامتنان على العباد بتنـزيل القرآن والسنة.
قال
الشافعي رحمه الله:" ذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى
من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن القرآن ذُكر وأتبعته الحكمة،..وافترض الله طاعة رسوله وحتم
على الناس اتباع أمره،.. فإن الله جعـل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به. وسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة عن الله معنى ما أراد .." ([25]).
وقال
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:" إن سنة النبي كالقرآن في وجوب العمل بها
حسب ما يقتضيه الدليل من ايجاب أو استحباب، أو إباحة، أو كراهة أو تحريم" ([26]).
فترك
العمل بالسنة خصوصاً ما كان منها على سبيل الفرض خطر عظيم، وكذلك الاستهزاء بها أو
رميها بالنقص، أو القول بأن ما جاءت به إنما
هو تشريع زمني مؤقت، لا يستوعب مستجدات العصر، ومتطلبات التقدم والتطور. فكل ذلك
منكر، وسوء أدب مع الله تعالى الذي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه وحيه فقال سبحانه:( وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ ) ([27]).
وجمع
الله عاقبة من كفر به وعصى رسولـه صلى الله عليه وسلم، فقصّه علينا سبحانه في قوله: ( يَوْمَئِذٍ
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ
وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ). ([28])
فإذا
عاين هؤلاء يوم القيامة ما أرصد لهم من أليم العقاب، وشدة العذاب؛ تمنوا لو أن
الأرض تدك بهم وتسوى عليهم وتطويهم في باطنها، ولكان ذلك أحب إليهم، وأهون عندهم
مما سيقدمون عليه، وما يحل بهم من النكال، ولكن هيهات!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق