لي حق الحياة وفق قناعاتي.
ماذا تعني هذه العبارة؟
وماهو مقتضاها؟
أما المعنى فكأن صاحبها يقول: لي الحق في العيش بحريتي الشخصية التي توافق قناعتي وتفكيري.
وبمعني آخر: أنني اكتفي بما يراه عقلي، ويمليه عليّ تفكيري، فلا احتاج إلى سواه.
ومقتضى ذلك:
أن كل أمر من الأمور :عملا أو قولا أو أسلوب حياة أو مطعم أو ملبس...فإنه يرى أن من حقه أخذ مايعجبه من ذلك دون حرج، وأن مالا يعجبه فهو غير مُلزَمٍ به، وله الحق في رفضه.
يجب على قائل هذا القول -إن كان ناصحا لنفسه- أن يتدبر قول الله تعالى:{أَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ..}.
ثم ليحذر أن يقع في هذا الخطر العظيم.
فلازم القول بهذه العبارة واعتقاد هذه الفكرة:
أن للإنسان أن يكتفي بعقله في كل الأمور، يسير في حياته وفق قناعته العقلية، فمالا يقبله عقله فهو غير ملزَم به.
ثم لو سلّمنا- جدلا- باعتبار القناعة العقلية، فعَقْلُ مَن المعتبر؟
فإن العقول غير متساوية في الإدراك.
وقد تطرأ عليها مؤثرات تفسدها، فالجهل يضعف تصور العقل وإدراكه، والهوى يغطيه.
ثم إن للعقل حدا يقف إدراكه وتصوره عنده، لا يتجاوزه.
فليس للعقل مثلا: القدرة على إدراك الغيب، ولا على صفات الرب جل وعلا.
فتلك المقالة على مايبدو أنها تمثّل نظرية يتبناها بعض الناس، وأظن أن كثيرا ممن يقولها أو يعتقدها يجهل معناها وأثرها السيئ.
يوضح ذلك السؤال التالي ومابعده:
- إذا قصّر تفكير الشخص وعقله عن إدرك حكمة الشرع في أمرٍ ما، فهل يسوِّغ له ذلك أن لا يقبل هذا الأمر الشرعي؟
- وهل لابد في التكاليف الشرعية أن توافق قناعات كل الناس.؟
- وأن لهم الحق في أخذ ما اقتنعت به عقولهم، ورفض مالم يقتنعوا به.
فهل يتوافق هذا مع قول الله تعالى:{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا}.
كيف، وقد قال الله سبحانه:{قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ}.
فجميع أمور الدين والدنيا والآخرة يجب أن يأتمر العبد فيها بما شرعه له ربه. علما بأن كل ما جاء به شرع الله موافق للفطرة والعقل السليم ومحقق لمصالح العباد.
ثم يقال لصاحب ذلك الاعتقاد:
مالا يدركه عقلك كيف تقتنع به؟!
فإن العقل لو كان كافيا في إدراك الحق كما ينبغي، لما أنزل الله عز وجل كتبه، ولما أرسل رسله، ولوَكل الناس إلى عقولهم.!!
يقول ابن القيم رحمه الله:
لا يستقلُّ العقلُ دون هداية
بالوحي تأصيلًا ولا تفصيلا
كالطرف دون النور ليس بمدركٍ
حتى يراه بكرة وأصيلا
نور النبوة مثل نور الشمس
للعين البصيرة فاتخذه دليلا
فإذا النبوة لم ينلك ضياؤها
فالعقل لا يهديك قط سبيلا
طرق الهدى مسدودة إلا على
مَن أمَّ هذا الوحيَ والتنزيلا
فإذا عدلتَ عن الطريق تعمُّدَا
فاعلم بأنك ما أردتَ وصولا
ياطالباً دركَ الهدى بالعقل دون
النقل لن تلقى لذاك دليلا.
فالخلاصة:
أن من جعل هذه العبارة منهجا له في الحياة، أنه قد ظلم نفسه، وأوردها موردا لا مخرج له منه، إلا أن يدعو الله أن يبّصره بالحق، ويهديه إليه، وأن يعيذه من شر نفسه، ومن شر وسواس الشياطين.
………………………….…………………
١٤٤٠/٨/٢٥
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق