تعقيب على تفسير قوله تعالى {فالتقمه الحوت}
ينسب للدكتور زغلول النجار قوله: "كنت أقرأ لعشرات المرات بعشرات السنين قصة سيدنا يونس ومنذ سنتين فقط توقفت عند
{ فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ } فقلت لماذا قال ربنا تبارك وتعالى{ فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ} ؟
فبدأت أدرس طبيعة الحيتان فوجدت أن هناك مجموعة من الحيتان اسمها الحيتان الزرقاء
والحوت الأزرق أضخم حيوان خلقه الله تبارك وتعالى،..
وهذا الحيوان على ضخامته لا يأكل إلا الكائنات الميكروسكوبية الضئيلة التي تسمي ( البلانكتون ) الكائنات الطافية الهائمة فهو لا يملك أسنان إطلاقاً وله ألواح رأسية يصطاد بها هذه الكائنات الطافية ، وطريقة تناوله لطعامه كالآتى : يأخذ بفمه عدة أمتار مكعبة من الماء فيصطاد ما فيها من كانت طافية ويخرج الماء من جانبي الفم يعني لا تفلت منه واحدة من هؤلاء ( البلانكتون ) …
هذا الحوت على ضخامته بلعومه لا يبلع إلا هذه الكائنات الدقيقة فإذا دخل فمه أي شيء كبير لا يُبتلع ولذلك بقي سيدنا يونس عليه السلام في فمه كاللقمة ولهذا قال الله ربنا الحق { فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ }
يعني لا هو قادر على بلعه ولا مضغه
…
إلى أن قال:
ولقد تأملت وراجعت المصادر العلمية وكذلك عدت للعهد القديم باللغة الإنجليزية وهو التوراة فوجدتهم يقولون : ابتلعته سمكة كبيرة.
وطبعا هناك فرق كبير جداً لأنه لو اُبتلِع لهلك بعملية الهضم.
فالتقمه غير فابتلعه ؟ يعني الدلالة القرآنية هنا دقيقة تماماً
بل فى غاية الدقة { فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ } تعنى بقي كلقمة في فم الحوت لا يستطيع أن يبلعها ولم يلفظها مباشرة". انتهى
أقول وبالله التوفيق:
هذا القول غير صحيح.
فإنّ الله جل وعز أخبر عن نبيه يونس عليه السلام في نفس السياق أنه كان في بطن الحوت.. فقال تعالى: { فَٱلۡتَقَمَهُ ٱلۡحُوتُ وَهُوَ مُلِیمࣱ * فَلَوۡلَاۤ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِینَ * لَلَبِثَ فِی بَطۡنِهِۦۤ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ }
وقال أهل التفسير :
١-الإمام ابن جرير الطبري: قوله تعالى: {فالتقمه الحوت}"يقول: فابتلعه الحوت؛ وهو افتعل من اللَّقْم". (جامع البيان) .
٢- قال ابن كثير: "وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى حُوتًا مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ أَنْ يَشُقَّ الْبِحَارَ، وَأَنْ يَلْتَقِمَ، يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَا يَهْشِمُ لَهُ لَحْمًا، وَلَا يَكْسِرَ لَهُ عَظْمًا"، فَجَاءَ ذَلِكَ الْحُوتُ وَأَلْقَى يُونُسُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، نَفْسَهُ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَذَهَبَ بِهِ فَطَافَ بِهِ الْبِحَارَ كُلَّهَا. وَلَمَّا اسْتَقَرَّ يُونُسُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، حَسَبَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ وَرَجْلَيْهِ وَأَطْرَافَهُ فَإِذَا هُوَ حَيٌّ، فَقَامَ يُصَلِّي فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ دُعَائِهِ: "يَا رَبِّ، اتخذتُ لَكَ مَسْجِدًا فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ" وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا لَبِثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ جُمْعَة قَالَهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ. وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، قَالَهُ أَبُو مالك". (تفسير القرآن العظيم)
٣- قال البغوي: "﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ﴾ ابْتَلَعَهُ، ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ آتٍ بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ. ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ مِنَ الذَّاكِرِينَ لِلَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَثِيرَ الذَّكَرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ الْمَصَلِّيْنَ. وَقَالَ وَهْبٌ: مِنَ الْعَابِدِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا صَالِحًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ طَاعَتَهُ الْقَدِيمَةَ. وَقِيلَ: "فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ" فِي بَطْنِ الْحُوتِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي قَوْلَهُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" وقوله: ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ لَصَارَ بَطْنُ الْحُوتِ لَهُ قَبْرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.".(معالم التنزيل)
٤- قالَ ابن الجوزي: "قال المُفَسِّرُونَ: وكَّلَّ اللَّهِ بِهِ حُوتًا، فَلَمّا ألْقى نَفْسَهُ في الماءِ التَقَمَهُ، وأمَرَ أنْ لا يَضُرَّهُ ولا يُكَلِّمَهُ، وسارَتِ السَّفِينَةُ حِينَئِذٍ. ومَعْنى التَقَمَهُ: ابْتَلَعَهُ."(زاد المسير) .
الخلاصة:
كل المفسرين قالوا: (فالتقمه ) أي: ابتلعه.
والبلع يراد به ما وصل للبطن ، وهو المعروف من لغة العرب.
وهو المنصوص عليه في الآية{ للبث في بطنه }.
وكذلك هو في السُنة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ " .
جامع الترمذي: ( ٣٥٠٥)، والمستدرك للحاكم(٣٤٦٣) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ . ومسند الإمام أحمد: (١٤٨٠)
وقوله:" لو اُبتلِع لهلك بعملية الهضم".
هذا القول: غير لازم، بل فاسد..
فالله هو الذي قدّر ذلك وساق له هذا الحوت، وهو سبحانه القادر على تعطيل الأسباب التي يعقلها البشر، ويفعل ما يشاء، فإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. ومن ذلك عدم هضم الحوت ليونس عليه السلام.
فهل يعقل أن يخفى المعنى الصحيح على أئمة التفسير أكثر من ألف سنة ثم يأتي من ليس من أهل العلم فينقض كلامهم، ويقرر كلامه ويستشهد له بدراسته واكتشافاته؟
..
فائدة:
أهل التفسير أسعد بمعرفة القرآن من غيرهم وإذا اختلف قولهم مع قول أهل اللغة.. فقول المفسرين أصوب وأولى لأنهم أعلم بالمعنى الصحيح من غيرهم..
وكلام النجار فيه ثلاثة محاذير:
الأول: التفسير بالرأي..
الثاني: إلغاء التفسير المأثور ..
والثالث وهو الأهم: مصادمة النص..
أعني الآية( للبث في بطنه}.
وبالله التوفيق.
—-
غرة جمادى الآخرة ١٤٤٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق