وبشّر المخبتين
معنى الإخبات، وصفات المخبتين..
الإخبات:
تعريف السلف له بأنه:
الإطمئنان، والتواضع والخشوع والخضوع لله، والوجل والخشية والإشفاق من عذاب الله ..
وتعدد هذه المعاني يشير إلى مكانة الإخبات وشرفة ..
ولذا جاءت صفات المخبتين -جعلنا الله جميعاً منهم-حول هده المعاني الجليلة مما يدل على أهميته وفضله ..
فمن ذلك قول الله عز وجل:{ إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَخۡبَتُوۤا۟ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ أُو۟لَـٰۤئكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ }.
فقدّم وصفهم بالإيمان وعمل الصالحات، ثم عطف عليه الإخبات، وكأن في ذلك - والله أعلم- إشارة ودليل على أنه لا يحصل الإخبات إلا ممن آمن وعمل صالحاً.
فلتحقق هذه الأوصاف فيهم وعدهم الله تعالى الجنة والخلود فيها فقال عز وجل: {.. وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ • ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِیمِی ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ }
ففي هذه الآية مع البشارة للمخبتين ذكر أنّ من صفاتهم:
- وجل قلوبهم وخضوعها لله.
- والإطمئنان عند ذكره جل وعلا،
- والصبر .
- وإقام الصلاة.
- والإنفاق في مرضاة الله.
وفي موضع آخر نؤه تعالى بعباده المؤمنين وذكر من أعمالهم:
الوجل عند ذكره تعالى، والتوكل عليه، علاوة على ماسبق من هذه الأوصاف الجليلة، وأخبر سبحانه أن من اتصف بذلك فهم المؤمنون حقاً، ووعدهم الدرجات والمغفرة والرزق الكريم ، فقال سبحانه: { إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ • ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ • أُو۟لَـٰۤئكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقࣰّاۚ لَّهُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ }.
ووصف تعالى أولو العلم بالإيمان والإخبات ولين القلوب فقال سبحانه:{وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ ..}
ثم وصفهم كذلك مع الإيمان بالخشية ونفى الشرك عنهم، فقال سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ • وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ • وَٱلَّذِینَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا یُشۡرِكُونَ }.
وقال تعالى عنهم أيضاً :{ وَٱلَّذِینَ یُؤۡتُونَ مَاۤ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَ ٰجِعُونَ }
فأخبر سبحانه أنه يعملون الأعمال الصالحة ويبذلون المعروف ويتصدقون وقلوبهم وجلة خائفة لعلمهم أنهم راجعون إلى ربهم و ملاقوه.
وفيما يلي نقول عن المفسرين حول معنى المخبتين وبيان أوصافهم الشريفة:
•قال عبد الحق بن عطية رحمه الله عن قول الله تعالى:{..وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ • ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِیمِی ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ }.
"وهَذا مِثالٌ شَرِيفٌ مَن خُلُقِ المُؤْمِنِ الهَيِّنِ اللَيِّنِ، وقالَ مُجاهِدٌ: هُمُ المُطَمْئِنُونَ بِأمْرِ اللهِ تَعالى، ووَصَفَهم تَعالى بِالخَوْفِ والوَجِلِ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ، وتِلْكَ لِقُوَّةِ يَقِينِهِمْ ومُراعاتِهِمْ لِرَبِّهِمْ وكَأنَّهم بَيْنَ يَدَيْهِ، ووَصْفَهم تَبارَكَ وتَعالى بِالصَبْرِ والصَلاةِ وإقامَةِ الصَلاةِ وإدامَتِها،
[المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ٥٣/٧ ] .
• وقال ابن كثير رحمه الله:"قَالَ مُجَاهِدٌ:" المخبتين: المطمئنين. وأحسن مايفسر بما بعده وهو قوله { ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ ﴾ أي: فَرِقَتْ، وخَافَتْ منه قلوبهن{وَٱلصَّـٰبِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ} أي: من المصائب.
[ تفسير القرآن العظيم٦١،٦٠/١٠]
•وقال القرطبي رحمه الله: "المخبت: المتواضع الخاشع من المؤمنين..وقوله تعالى: { وجلت قلوبهم} أي: خافت وحذرت مخالفته، فوصفهم بالخوف والوجل عند ذكره، وذلك لقوة يقينهم ومراعاتهم لربهم وكأنهم بين يديه،ووصفهم بالصبر وإقامة الصلاة وإدامتها..
وهذه الآية نظير قول الله تعالى: { إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ }، وقوله تعالى: { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ .. }
[الجامع لأحكام القرآن: ٥٩/١٢] .
وبعد:
فإني أسأل الله تبارك اسمه أن يجعلني وإياكم ممن تحلى بهذا الوصف الشريف، وحاز عوائده وفضله.
—----
٢ /رمضان/١٤٤٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق