عيسى ويحيى عليهما السلام.
الحمد والصلاة والسلام على رسول الله..
وبعد.
فقصة مولد يحيى عليه السلام. كالمقدمة لقصة مولد عيسى ابن مريم عليه السلام.
عندما دعا زكريا عليه السلام ربه أن يهب له ولداً فاستجاب الله دعاءه ، مع كبر سنه ويأس امرأته.. كما أخبر تعالى عنه في سورة مريم:
{قَالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّی وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَیۡبࣰا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَاۤىِٕكَ رَبِّ شَقِیࣰّا • وَإِنِّی خِفۡتُ ٱلۡمَوَ ٰلِیَ مِن وَرَاۤءِی وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا فَهَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا • یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنۡ ءَالِ یَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِیࣰّا • یَـٰزَكَرِیَّاۤ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسۡمُهُۥ یَحۡیَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِیࣰّا }
فعجب لذلك زكريا مع كونه في حال يندر أن يكون له ولد ، { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِیࣰّا }
فكان الجواب تذكيرًا بقدرة الله على كل شيء { قَالَ كَذَ ٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَیۡـࣰٔا }
فأنعم الله على زكريا عليه السلام بيحيى وجعله نبياً.
ثم عقّب عز وجل بعد ذلك بذكر ما هو أعجب من ذلك ألا وهو قصة مريم وولادة عيسى عليه السلام من أم بلا أب. فقال سبحانه:
{وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡیَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانࣰا شَرۡقِیࣰّا • فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابࣰا فَأَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرࣰا سَوِیࣰّا • قَالَتۡ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِیࣰّا • قَالَ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمࣰا زَكِیࣰّا • قَالَتۡ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱ وَلَمۡ أَكُ بَغِیࣰّا }
فاستغربت مريم وجود ولد منها مع عفافها وهي ليست بذات زوج، فكان الجواب{ قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا }
ففي صدر السورة كان حديث الآيات عن إيجاد يحيى من أبٍ قد وهن العظم منه وبلغ من الكبر عتياً، ومن أمٍ عاقر، وفي ذلك دليل على قدرة الله تعالى ، وكأن في ذلك توطئةً لآية أكبر وأعظم منها، ألا وهي وجود ولد من أم بغير أب، فكان عيسى عليه السلام نبياً ورسولاً .
وكان هذا من التدرج في التدليل على القدرة بالعجيب إلى الأعجب منه، وبالعظيم من الآيات إلى الأعظم منه، ليعلم المؤمن علم اليقين أنّ الله قادر على كل شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال سبحانه: { إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَیۡءٍ إِذَاۤ أَرَدۡنَـٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ }.
وهو أيضاً من الترقي في الاستدلال من الأدنى إلى الأعلى..
ومن العجائب أيضاً في هذه القصة أنّ أحداثها جرت في زمن واحد ، وأن يحيى وعيسى ابنا الخالة. وشهد أحداثها طائفة من بني إسرائيل. وأرسل إليهم يحيى وعيسى عليهما السلام..
وقد ذكر الله هذه القصة العجيبة أيضا في سياق واحد في سورة آل عمران فقال تعالى: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِیَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّةࣰ طَیِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ • فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ • قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَقَدۡ بَلَغَنِیَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣱۖ قَالَ كَذَ ٰلِكَ ٱللَّهُ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ • قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّیۤ ءَایَةࣰۖ قَالَ ءَایَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَیَّامٍ إِلَّا رَمۡزࣰاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِیرࣰا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ • وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَاۤءِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ • یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِی وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ • ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَیُّهُمۡ یَكۡفُلُ مَرۡیَمَ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ • إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةࣲ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَجِیهࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ • وَیُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ • قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی وَلَدࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱۖ قَالَ كَذَ ٰلِكِ ٱللَّهُ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ }.
فإن رأي الناس في خلْقِ عيسى من أم بلا أب عجباً فإن أعجب منه خلق آدم عليه السلام من تراب، قال الله عز وجل: { إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ } فخلقُ عيسى من أم في القدرة عند الله كخلق آدم من تراب كله هين، قال تعالى: { أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ كَیۡفَ یُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ } وقال سبحانه:{ لَخَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ }.
• ففي ذلك من دلائل قدرة الله تعالى وعظيم فضله على خلقه ما يدعوهم إلى تقواه وطاعته.
• وفيه تذكير بعناية الله بأنبيائه ورسله وعباده الصالحين حين استجاب دعاء نبيه زكريا عليه السلام ورزَقه الولد عند ضعفه وكبر سنه.
• وما حصل لمريم في صغرها من لطف الله وإكرامه لها، ثم خلق منها نبيه ورسوله عيسى عليه السلام، وما حصل لها من الكرامات في ذلك..
والله أعلم ..
هذا ما فهمته من سياق الآيات وارتباط القصتين والتشابه بينهما.
اللهم ما كان حقاً فمنك وبك، ولك الحمد، وما كان خطأً فإني أستغفرك وأتوب إليك.
—-
٤/ رمضان/١٤٤٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق